وكل ما ورد عن علماء الإسلام الذين حرموا الجدل، فإنما ينصرف إلى منع هذه اللجاجة التي لمسوا شرورها، وتحققوا من جريرتها، ولم يلمسوا معها منفعة تتحقق بالجدل ولا تتحقق بغيره. فما يغير قوما من الأقوام خطب أفدح عليهم من اشتغالهم بالجدل، وتركهم العمل، كما قال الإمام الأوزاعي. وأسلم المواقف عند ذوي البصر بالدين إذا احتدم الخصام، وشاع المراء والاتهام، أن يصاب المرء ولا يصيب، وأن يتجنب الخصومة، أو يتجنب فيها كل قول مريب. وجماع ذلك شعر حسن يتناقلونه عن مصعب بن عبد الله الزبيري، المتوفى قبيل منتصف القرن الثالث، يقول فيه:
أأقعد بعد ما رجفت عظامي
وكان الموت أقرب ما يليني
أخاصم كل معترض خصيم
وأجعل دينه غرضا لديني
فأترك ما علمت لرأي غيري
وليس الرأي كالعلم اليقين
وما أنا والخصومة وهي لبس
تصرف في الشمال وفي اليمين
وقد سنت لنا سنن قوام
نامعلوم صفحہ