تعبیریت میں شاعری، کہانی اور ڈرامہ
التعبيرية في الشعر والقصة والمسرح
اصناف
3
وفي مسرحيات فيديكتد (1864-1918) أو لوحاته الرمزية الساخرة، وأخيرا في أعمال سترندبرج، الكاتب السويدي العظيم الذي أثر على المسرح الحديث كله، كانت مسرحيات سترندبرج المتأخرة أو بالأحرى لوحاته أو «محطاته» الدرامية المفعمة بالتشاؤم والعنف وصراع القوى الدفينة في أعماق النفس المقهورة الثائرة هي التي تركت أكبر الأثر على التعبيريين. وكانت طريقته في رسم مجموعة من الصور والمشاهد المتتابعة التي تستغني عن البناء التقليدي المتطور بالحدث من أهم العوامل التي طبعت أسلوبهم في الكتابة للمسرح. أعجبهم من مسرحياته المشهورة (كالطريق إلى دمشق ولعبة الحلم وسوناته الأشباح) أنها لا تقدم شخصيات فردية، بل نماذج وأنماطا عامة تحمل أسماء عامة كالابن، والمجهول، والشحاذ، والصديق، والشاعر، والعجوز، والميت، وهو، وهي ... إلخ، وكلها تنطق بمشاعر المؤلف وتعبر عن القضايا والأفكار التي شغلته في الدين والنفس والأسرة والمجتمع، وجعلته يضع شخصية الإنسان المعذب بالبحث عن نفسه وخالقه في مركز أعماله، بل في قلب الأدب الحديث من بعده.
أخذ التعبيريون من سترندبرج أسلوبه الفني، وإن لم يأخذوا شيئا من مشكلاته الذاتية الأليمة التي نجمت عن إخفاقه المستمر في الزواج والحياة. لقد كانوا بطبعهم بعيدين عن المسائل الاجتماعية والنفسية المحددة، وكان كل همهم أن يجسدوا أفكارهم العامة وثورتهم المطلقة على خشبة المسرح.
ولكن ما هي هذه الأفكار العامة، وعلى أي شيء يثورون؟ إنهم يثورون على المدنية التي أفسدت الإنسان وعلمته أن يكون وحشا قاسيا شريرا. ويهاجمون الحياة في المدن الكبيرة التي تسحق الفرد (أو إن شئت الفنان) وتدمر حريته، وتحكم عليه بالبؤس والانتحار البطيء ضحية التجار والنفعيين والبرجوازيين الأغبياء المطمئنين. وهم في النهاية يحلمون «بالإنسان الجديد» الذي يستطيع وحده أن ينقذ الإنسان «الأخ» الوحيد البريء العاري الباحث عن نفسه الباطنة الأصيلة، وطبيعي أن يصبح بطل الدراما التعبيرية هو الشاب المتمرد الثائر على عالم الآباء، وأن يكون الصراع بين الابن والأب هو المشكلة الأساسية التي تدور حولها معظم مسرحياتهم، وأن يكافح هذا الابن البريء اليائس في البحث عن الطريق الذي ينقذه وينقذ معه البشرية المعذبة.
تلك هي المشكلة الأساسية كما قلت، تتخذ شكلا دينيا أو اجتماعيا أو فلسفيا أو سياسيا على اختلاف الأحوال، ولكنها تظل مشكلة المشاكل على كل حال.
هنا يصطدم القديم والجديد، والشر والخير، والآباء والأبناء، ولكن التعبيريين لا يريدون أن يقدموا تحليلات نفسية واجتماعية واقعية، بقدر ما يريدون التعبير عن عاطفة الثورة بما هي ثورة، وتجسيد عذاب الثائر ومخاوفه وآلامه، والتبشير بعالم جديد وعهد جديد ومملكة نقية يحيا فيها «الإنسان»، مملكة جديدة يتحرر فيها من كل سلطة وسلطان، ومن كل ظلم واستغلال وامتهان؛ أي يتحرر فيها من كل الآباء ...!
وطبيعي أن التعبير عن الثورة المطلقة أو التمرد الخالص لا يحتاج إلى شخصيات فردية محددة، ذات كيان وتاريخ محدد؛ لذلك نجد التعبيريين يلجئون للنماذج والأنماط العامة، ويديرون الصراع في مسرحهم بين «الأب» و«الابن» والمدير والعامل، والرجل والمرأة. كما نجد الحوار يفقد وظيفته الأساسية، فيشيع في أعمالهم جو شاعري مسرف في شاعريته، وتجري على ألسنتهم لغة مجنحة متوهجة، ويصبح المونولوج (أي حوار الشخصية الوحيدة مع نفسها) هو المحرك الأول للوحات والمشاهد المتتابعة، بحيث يتعذر آخر الأمر أن تسمى هذه المجموعة من اللوحات والمشاهد «تراجيديا» أو «كوميديا» بالمعنى المألوف من هاتين الكلمتين، بل ويتعذر أن تنطبق عليها أية كلمة تدل على نوع من الأنواع الأدبية التي أراد التعبيريون تحطيمها وتمزيق أشكالها. وقد نذهب إلى أبعد من هذا فنقول: إن من الصعب أن نسميها «مسرحيات» ... وربما كان الأوفق أن نسميها رسائل أو اعترافات درامية، أو رؤى عاطفية وفكرية، أو لوحات تبشيرية بالمستقبل الذي لم يولد بعد، والإنسانية التي كانوا يحلمون وما زلنا نحلم بها.
إن الاعتراف والحماس الشاعري يحلان محل التوتر الدرامي، والوسائل المسرحية تبلغ أقصى حد من التطرف والمبالغة، والممثلون يصرخون ويصيحون أو يهمسون ويتمتمون وينشجون بالبكاء، والإشارات والإيماءات تنقلب إلى نوع من «البانتوميم» أو التمثيل الإيقاعي الصامت الذي يغلب على المشاهد المؤثرة، ويغني بالتعبير الجسدي والروحي عن الألفاظ والكلمات، والمناظر تتغير فوق خشبة المسرح أو بالأحرى تختفي منها، فليست هناك تجهيزات آلية معقدة، ولا قطع ديكور ثقيلة من النوع الذي يستخدم في المسرحيات الطبيعية والتاريخية، بل يكاد المسرح أن يكون عاريا من كل شيء؛ رغبة في إثارة خيال المتفرج والإيحاء عن طريق التجريد والتعميم. إن المتفرج مدعو للاستجابة للنداء الذي يتجسد الآن أمامه، مدعو لاتخاذ موقف، ولا بد من إخراجه من تحت عباءة «الوهم» التي أسدلها عليه المسرح الكلاسيكي (الذي كان مسرح وهم بالأصالة).
ومع أن المسرح التعبيري لا يزيل هذا الوهم إلا ليحل مكانه وهما آخر، ولا يقضي تماما على «اندماج» المتفرج في المشاهد والأحداث التي تجري أمامه - وهي مشكلة المسرح الحديث والمعاصر بوجه عام؛ فلا شك أن التعبيريين قد حاولوا شيئا مما نحاول اليوم، وسبقوا إلى نوع من «الإغراب» الذي نسمع عنه كثيرا في هذه الأيام كلما تحدث الناس عن برشت أو مسرح اللامعقول أو المسرح التسجيلي أو المسرح الخالص أو العرض التمثيلي الذي يحاول التخلص من سلطان الأدب ليعطي للجسد حقه في الحركة والتعبير ...
ولعل أهم ظاهرة في المسرح التعبيري هي الضوء. لقد أصبحت له وظيفة أساسية. بل لا نبالغ إذا قلنا: إنه أصبح البطل الحقيقي في المسرحية. إنه يركز على الشخصيات الرئيسية، ويخلق الظلال والأشباح الغامضة المفعمة بالأسرار، وقد يطفأ تماما فيخيم الظلام المطلق الذي يساعد على زيادة التأثير وتحريك عاطفة المتفرج وتفكيره وخياله، وأخيرا فإن التمثيل يتم على مستويات مختلفة وفي وقت واحد، فيسلط الضوء على جانب آخر من المسرح دون حاجة إلى رفع الستار عن أحد المشاهد (الخالية بالطبع من الديكور) لينقلنا إلى مكان أو زمان آخر. وكلها أشياء يعرفها المتفرج الذي يتردد على المسرح، وتؤكد ما يقوله بحق بعض رجاله من أن المخرج ومهندس الضوء والصوت يساهمون بدور هام في خلق العرض المسرحي أو تأليفه.
نامعلوم صفحہ