سلطان محمد الفاتح
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
اصناف
لم تكن موقعة بلغراد بعظيمة الخطر على مركز العثمانيين في أوروبا وإن كانت قد أنقذت مدينة بلغراد والمجر من أن تقع في أيديهم مدة من الزمن، ولكنها لم تمنع العثمانيين من نشر نفوذهم في بقية أجزاء البلقان في البوسنة والهرسك والصرب وألبانيا، فما كانت المجر التي ذاقت قوة العثمانيين مرارا تجرؤ أبدا على اتخاذ خطة الهجوم ضد السلطان الفاتح، فنشاطها استنفذ من ناحية، ومن ناحية ثانية هلك أكبر رجالها الحربيين الذي تستطيع أن تثق فيه وأن تضع مقاليد أمورها بين يديه.
وبعد ذلك فملكها كان لا يزال حديث السن لا يحسن التصرف في أمور الملك، ولم يوجد بين الأرستقراطية المجرية من يقوم مقام هونيادي، بل لقد قابل الملك أعمال الزعيم الراحل بالجحود والنكران، فلقد أمر بقتل ابنه وتشويه سمعته وتصوير خيانته وصب عليه اللعنات.
ولكن الملك المجري لم يعش طويلا فمات سنة 1458م، وشاءت الأيام أن تعترف المجر بجميل فارسها، فقرر الديت المجري تعيين ابنه وهو ماتياس كورفينوس ملكا على المجر.
ولئن كان ماتياس ورث عن أبيه فروسيته وقدرته على قيادة الرجال إلا أنه لم يرث عداوته للأتراك. وكان مهتما بالأمور الداخلية، مهتما بالقضاء على ثورات من حاولوا منافسته، ولكنه لم يستطع أن يعمل شيئا أمام قوة الأتراك؛ فلقد قام السلطان محمد الفاتح بالهجوم مرة ثانية فافتتح البوسنة وثبت أقدامه فيها رغم أنف المجر، وحاول ماتياس أن يضم البابا والبندقية إلى جانبه فلم يفلح، ولما اقترح ملك فرنسا تكوين عصبة دول مسيحية ضد الأتراك رفض كورفينوس الانضمام؛ لأنه كان موقنا أن الحرب ستكون على حساب المجر وحدها.
ومن الغريب أن ماتياس لم يهتم بالخطر التركي بقدر ما اهتم بالقضاء على حركة هوس في بوهيميا؛ فهو كاثوليكي متعصب قبل كل شيء وشغلته نزاعاته مع الإمبراطور الذي حاول التدخل في شئون المجر الداخلية، كما شغلته اختلافاته مع بوهيميا.
ولقد هاجم الأتراك فعلا جنوب المجر، وعاونوا الثائرين على ماتياس ولكنهم أجلوا هجومهم النهائي عليها إلى عهد السلطان سليمان القانوني الذي سيقضي على قوة المجر ودولتها نهائيا في موقعة موهاكز في آخر الربع الأول للقرن السادس عشر.
فتح البوسنة
أما مملكة البوسنة فلم يقدر لها البقاء كإمارة مستقرة بعد اختفاء الصرب إلا أربع سنوات، فلقد قامت فيها المنازعات على العرش، وثارت الحرب الأهلية، وعم الخوف على مصير البلاد أمام قوة الأتراك المرابطة على الحدود والتي تتدخل في أمور البلاد من حين لآخر وتجبرها على دفع الجزية، واضطرت البابوية في ذلك الوقت، وكانت ملاذا للمسيحية وملجأها الأخير، اضطرت إلى التدخل في سبيل تثبيت العرش بعد أن زار ملك البوسنة البابا، وأخبره بأن الأتراك يعاملون سكان البلاد بالحسنى لينالوا ودهم ورضاهم وأنهم يعدون الفلاحين - وكانوا رقيقا للأرض - بالحرية، وأن مطلب السلطان الفاتح ليس هو البوسنة وإنما هو المجر والبندقية، ثم الزحف بعد ذلك على إيطاليا واكتساح رومة عاصمة المسيحية الباقية. كانت هذه الزيارة في سنة 1461م.
حاولت البابوية تثبيت مركز ذلك الملك، كما حاولت معاونته لدرء الخطر العثماني الذي يهدد استقلال بلاده، وعلم السلطان الفاتح بما بينه ذلك الملك من نقض عهوده مع الدولة العثمانية وعزمه على منع إرسال الجزية.
ولذا فأرسل إليه يطالبه بدفع الجزية، وشعر ملك البوسنة بقوة في نفسه؛ فالبابوية تؤيده. ولم يكن يدري أن البابوية لن تستطيع له نفعا إذا ما دهمته جحافل الأتراك، أخذ ملك البوسنة الرسول العثماني فأراه كنوزه وبين له باحتقار أنه لا يستطيع التنازل عنها للأتراك.
نامعلوم صفحہ