سلطان محمد الفاتح
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
اصناف
تصدير
مقدمة
شخصية الفاتح
تداعي الدولة البيزنطية
مدينة قسطنطين
قصة فتح القسطنطينية
عوامل النصر
موقف أوروبا إزاء سقوط القسطنطينية
فتوح الفاتح الأخرى
عصر الفاتح وتنظيماته
نامعلوم صفحہ
تصدير
مقدمة
شخصية الفاتح
تداعي الدولة البيزنطية
مدينة قسطنطين
قصة فتح القسطنطينية
عوامل النصر
موقف أوروبا إزاء سقوط القسطنطينية
فتوح الفاتح الأخرى
عصر الفاتح وتنظيماته
نامعلوم صفحہ
السلطان محمد الفاتح
السلطان محمد الفاتح
فاتح القسطنطينية
تأليف
محمد مصطفى صفوت
تصدير
السلطان محمد الثاني الفاتح
من أكبر الشخصيات التي تركت أثرا باقيا في حياة العالم لا نزال نلمسه إلى الوقت الحاضر شخصية السلطان محمد الثاني. وهذه الشخصية عظيمة لأنها حولت مجرى التاريخ الإسلامي والعالمي.
وإذا ذكر أعلام الإسلام في السياسة والحرب فمحمد الثاني العثماني بلا ريب في مقدمتهم، ومن أعاظمهم، فهو الذي بنى ملكا للأتراك ثابت الأركان، وهو الذي ثبت قدم الإسلام في أوروبا بالقضاء على العقبات التي تقف في طريقه. لقد وضع السلطان محمد الفاتح نهاية للدولة التي وقفت في سبيل الإسلام في أقوى أيام جبروته وعظمته، ومنعته من أن يسيطر سيطرة تامة على الشرق الأدنى، وعاقت تقدمه وانتشاره في شرقي أوروبا، وإذا كانت قبائل الفرنجة من الجرمان قد صمدت أمام غارات المسلمين في غربي أوروبا، فلقد وقفت الدولة الرومانية الشرقية أو البيزنطية أمام قوات الإسلام مدة تنيف على قرون سبعة. قابلت هذه الدولة نهايتها أمام قوات السلطان محمد الثاني حين استولى على عاصمتها وأعظم مدنها، بل وأعظم مدن العالم المسيحي في شرق أوروبا في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي.
ويعد عصر محمد الثاني من أقوى عصور الأتراك العثمانيين، ففيه تركزت النظم العثمانية وثبتت دعائمها، وفيه بدأ تقنين القوانين الذي سيبلغ شأوه في عهد السلطان سليمان القانوني. كان عهد محمد الفاتح عهد فتح وحرب وتنظيم، كما كان عهد أدب وفن وثقافة وعلم، فالسلطان الفاتح كان مجيدا لعدة لغات غير لغته التركية، مجيدا لقول الشعر، مغرما بالموسيقى، ونبغ في عهده في الأدب عدد لا يستهان به، فلقد كان يقول الشعر عدد من كبار رجال دولته، كما نبغ في العلوم الشرعية واللغوية عدد كبير من العلماء الأماثل.
نامعلوم صفحہ
ولقد حاول المؤلف في هذا الكتاب أن يصف حياة هذه الشخصية العظيمة وأن يلم إلمامة موجزة بالعصر وحوادثه.
ويقدر الكاتب كل التقدير فضل أستاذه المؤرخ الكبير حضرة صاحب العزة محمد شفيق غربال بك، فهو الذي وضع أساس هذه الدراسات في الجامعة، وهو مدين بالشكر الجم للمساعدة الحقيقية القيمة التي تفضل بتقديمها الأستاذ إبراهيم صبري مدرس اللغة التركية بجامعة فاروق الأول؛ فلقد زود الكاتب بكثير من المعلومات الطيبة، وترجم له النصوص التركية الشعرية والنثرية. ولا ينسى الكاتب كرم الأستاذ صاحب الفضيلة الشيخ إبراهيم حلمي القادري بالإسكندرية لتفضله بوضع مخطوطاته القيمة ومراجعه الثمينة في التاريخ العثماني تحت تصرفه، كما يشكر زميليه الأستاذين عبدالمحسن الحسيني وجمال الدين الشيال للمساعدة التي تفضلا بتقديمها له.
الإسكندرية في سنة 1948م
مقدمة
تضعضعت قوى الإسلام في الشرقين الأدنى والأوسط منذ القرن الحادي عشر الميلادي، وأصبح الخليفة العباسي في بغداد - سليل المنصور وهارون الرشيد - لا حول له ولا طول، وتفككت الدولة الإسلامية وانحلت أمورها وتوالت عليها الكوارث من كل جانب.
ولكن بقي اسم العباسيين في بغداد رمزا لمجد قديم، وعز لا يبارى، وملك وارف الظلال، إلى أن زال ذلك الرمز وامحى ذلك العز نهائيا من على ضفاف دجلة والفرات حين قدم التتار إلى بغداد مدمرين مخربين، وجعلوا من دار السلام ومدينة المنصور وحاضرة العباسيين خرابا بلقعا، في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي.
زالت أعظم دولة إسلامية تنتسب إلى أصل عربي صميم، ودكت معالم حضارة ازدهرت فأفادت العالم أجمع، وضاع مجد لم تعرف له العراق مثيلا إلا في عهد الأكاسرة الساسانيين. •••
وفي الوقت الذي كانت فيه قوى الإسلام تنحل من الناحيتين السياسية والحربية وتوشك على الانهيار في الشرقين الأدنى والأوسط، كانت قوى الإسلام في الغرب في الأندلس تتلاشى رويدا رويدا أمام قوات المسيحية، فكان الإسلام وكانت دار الإسلام مهددين بخطرين عظيمين لا يبقيان من ناحيتين شرقية وغربية، من ناحية التتار ومن ناحية المسيحية، ولو اتفق الاثنان ووحدا قواتهما لقضي على الإسلام .
ولكن لحسن حظ الإسلام والعالم أن خصميه العتيدين في ذلك الوقت لم يتفقا، وإن كانا قد حاولا الاتفاق، ولم يحظ واحد منهما بنجاح حقيقي دائم، وإن كان قد ظهر للبشر جميعا في حين من الدهر أن قوة الإسلام ووحدته الدينية ستصبحان كأمس الدابر، لا سيما وأنه في ذلك الوقت الذي تحقق فيه العالم من ضعف الإسلام، هاجمت أوروبا ديار الإسلام بقوتها وزهرة شبانها وأقوى محاربيها ونوابغ فرسانها وكبار صليبييها. •••
كاد الإسلام يسقط أمام هذه القوات الثلاث التي هددته من كل جانب، ولكن ظهرت في الإسلام قوات فتية ذات حيوية فائقة ستنقذه، وتشيد مجده من جديد وترفع ذكره. هذه القوات الجديدة هي قوات الأتراك السلاجقة، وقوة مصر الإسلامية الأيوبية والمملوكية، وقوة المغرب الأقصى.
نامعلوم صفحہ
وكانت أقوى هذه القوات جميعا وأبقاها قوة الأتراك.
لقد أجلت قوة المغرب الأقصى زوال الإسلام من الأندلس (إسبانيا) مدة من الزمن، وأنقذت قوة الأتراك وقوة مصر الإسلام من الصليبيين ومن التتار، وإلى هاتين القوتين يرجع الفضل في إحياء الإسلام.
وقضت قوة الأتراك العثمانيين على آخر دولة مسيحية في الشرق الأدنى، وهي قوة الدولة البيزنطية على يد السلطان محمد الثاني باستيلائه على مدينة القسطنطينية، ولئن كان الإسلام قد خسر عاصمة عظيمة بسقوط بغداد على يد التتار، فلقد أقام السلطان محمد الفاتح عاصمة جديدة للإسلام في أعظم مدن المسيحية. •••
جدد الأتراك قوى الإسلام وأكسبوها حيوية جديدة من حدود الصين ووسط الهند إلى الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط وبحر الأرخبيل. لقد استطاع الأتراك فتح آسيا الصغرى لسلطان الإسلام السياسي والديني، وإن هجراتهم التي لم تكن تنقطع لمدة أربعة قرون من أواسط آسيا إلى غربيها هي التي صبغت هذه الأجزاء صبغة تركية وأكسبت الإسلام عناصر قوية نشيطة.
عرفت آسيا الصغرى غزوات للعرب وفتوحات من عهد الخلفاء الراشدين إلى قرب أواخر العصر العباسي، هذه الغزوات ما كانت تفتر، وكانت تتجدد كل عام تقريبا في كثير من الظروف. ولكن هذه الفتوحات كانت أشبه بمد وجزر من ناحية العرب ومن ناحية البيزنطيين، فطورا يتوغل العرب في آسيا الصغرى، وطورا يرتدون إلى حدود الجزيرة والعراق.
ولكن الأتراك السلاجقة وحدهم هم الذين استطاعوا تثبيت قدم الإسلام في آسيا الصغرى بعد أن ضربوا البيزنطيين ضربة حاسمة في موقعة منذكرت في القرن الحادي عشر الميلادي.
ومن ذلك الوقت بدأ الإسلام يتغلغل حقيقة في آسيا الصغرى على يد هؤلاء الأتراك السلاجقة ومن تبعهم من القبائل التركية، ولم تستطع كرات البيزنطيين المتكررة ولا هجمات الصليبيين العنيفة أن تزحزح الإسلام من قواعده في آسيا الصغرى بصفة دائمة، بل بالعكس انتشر الإسلام، ودخل عدد كبير من السكان في الدين الجديد أفواجا، بحيث لم يأت القرن الثالث عشر إلا وقد عم الإسلام وأصبح القوة المتفوقة في آسيا الصغرى، وعبر التجار والجنود المرتزقة من الأتراك إلى أوروبا، وإلى القسطنطينية ذاتها حيث شاهدوا أعظم مدينة على سواحل البحر الأبيض، وأجمل مدينة اختطها يد الإنسان تشرف على قارتين وبحرين، وبهرهم غناها وفخامتها وموقعها الممتاز، وودوا لو أصبحت المدينة الخالدة على ضفة البوسفور معقلا من معاقل الإسلام، عاصمة لملكه وملاذا لأهله. •••
ولكن السلجوقيين ما كانوا مستطيعين القيام بمثل هذه المهمة، وهي أعظم مهمة يستطيع الفاتحون بعد سقوط بغداد القيام بها. فالاستيلاء عليها معناه أكبر انتصار تستطيعه دولة، وسقوطها معناه القضاء على أمة وتحويل مجرى التاريخ العالمي وإحداث انقلاب بعيد الأثر في الحضارة.
وهم لا يستطيعون القيام بمهمة عجز العرب عنها في أقوى عهودهم وأعز أوقاتهم، وإن كانت قد أتيحت للسلجوقيين فرصة لم تتح للعرب من قبل، فالسلجوقيون كانوا مالكين لآسيا الصغرى مقيمين فيها قريبين من القسطنطينية، ولكن قربهم لم يفدهم شيئا، فانقسام دولتهم وتفرق كلمتهم وعدم توحيد جهودهم أضعف من نفوذهم، وجعل من بينهم في آخر الأمر دويلات وشيعا وأحزابا حلفاء للبيزنطيين أنفسهم تعمل في كثير من الأحيان على منافسة زميلاتها، بل والقضاء عليها.
ولكنه بالرغم من ذلك عاش الفرع السلجوقي الذي حكم آسيا الصغرى مدة ثلاثة قرون، استطاع فيها بشجاعته ومهارته السياسية الاستفادة من المنافسة التي قامت بشكل حاد بين البيزنطيين والصليبيين. لقد هزم الأتراك السلاجقة البيزنطيين والصليبيين مرارا، وأقاموا في آسيا الصغرى إلى أن هبطتها قبيلة تركية فارة أمام قوات التتار. كانت هذه القبيلة فئة قليلة تفرعت منها في فترة قصيرة من الزمن الدولة العثمانية.
نامعلوم صفحہ
ومبدأ ظهور الأتراك العثمانيين محوط بالخرافة وتتجمع حوله الأساطير، ويظهر فيه الغموض حتى كأنما هبطوا من السماء أو انشقت عنهم الأرض أو هوت بهم الريح من مكان سحيق. •••
لقد نشأ السلطان محمد الثاني الفاتح في دولة نهضت بسرعة، دولة قامت على أشلاء الدولة السلجوقية، وتفوقت لاختلاف الإمارات السلجوقية وتنازعها فيما بينها، دولة ساعدها موقعها الجغرافي وقربها من الحدود البيزنطية على القيام بالحرب المقدسة؛ فهوى إليها الأتراك من كل جانب، قامت الدولة في عهد عثمان وجعل الإسلام من أهلها ومن بقية الترك أمة موحدة، بل إن الإسلام هو الذي جعل من الترك والإغريق والمجريين والبلغار والألبانيين والصقالبة أمة واحدة، وجعل من كل هذه العناصر المختلفة قوة أصبح اسم آل عثمان لها رمزا وعقيدة.
أنشأ عثمان الشعب العثماني، وجعل أرخان من ذلك الشعب دولة تقوم على أسس إدارية وحربية وطيدة الأركان، وانتقل الجيش العثماني من نظام قبلي إلى نظام حربي ممتاز، والفضل في ذلك يرجع إلى أرخان وأخيه ووزيره علاء الدين، وفي عهد أرخان وضع العثمانيون أقدامهم في أوروبا، وثبتوا مراكزهم فيها حين افتتحوا أدرنة فأصبحت عاصمتهم إلى أن تم لهم الاستيلاء على القسطنطينية.
ولقد قام الأتراك العثمانيون بالفتح في آسيا الصغرى والبلقان معا، وكما أصبحوا أكبر قوة في آسيا الصغرى، صاروا أعظم دولة في البلقان بعد أن تمكن السلطان مراد الأول من كسر قوة الصرب والبلغار في موقعتي ماريتزا وقوصوه في أواخر القرن الرابع عشر، فوقع البلقان تحت أقدام العثمانيين، ولم تعد توجد فيه غير عناصر منحلة، هذا في الوقت الذي كانت تزداد فيه قوة الأتراك باستمرار الهجرة التركية من آسيا تدفعها حركات المغول. وبينا كانت الحالة مضطربة في دول البلقان المسيحية كانت توجد بين الأتراك روابط متينة: دين واحد، ونظام واحد، وغاية واحدة.
ولربما استطاع السلطان بايزيد الأول القضاء على الإمبراطورية لو امتاز بالتبصر وحسن السياسة، ولو لم يواته سوء الحظ بغزو التتار، فلقد لقب بالصاعقة يلدرم، لقد قضى بايزيد على بلغاريا نهائيا وفتح بلدانها الواحد بعد الآخر، كما تمكن من القضاء على قوة الصرب وإخضاع أجزاء من ألبانيا. ثم أعطى أوروبا درسا قاسيا إذا أرادت تحدي قوة العثمانيين، فلقد قضى على قوة التحالف الأوروبي الصليبي في موقعة نيكوبوليس، في أواخر القرن الرابع عشر.
وربما كان بايزيد مستطيعا فتح المدينة الخالدة لولا تردده وضعف أسطوله وعدم استكمال استعداداته ومجيء خطر التتار الداهم. لقد أرسل تيمور رسالته الشهيرة إلى بايزيد وهو يحاصر القسطنطينية؛ الأمر الذي دعاه إلى رفع الحصار عنها، وانهزم العثمانيون أمام التتار في موقعة أنقرة لتفريط بايزيد وسوء سياسته، واستقلت بعض الإمارات التركية مثل قرمان وأيدين وكرميان، وبدأت الدولة البيزنطية تنهض من محنتها.
ولكن حسن الحظ واتى العثمانيين، فلقد مل تيمورلنك الفتوح في آسيا الصغرى، ورجع إلى سمرقند، وفكر في فتح الصين ومات ولم يأسف عليه الإسلام، ولحسن حظ العثمانيين أيضا بالرغم من الحرب الأهلية التي قامت بين أبناء بايزيد استطاع أحدهم أخيرا وهو السلطان محمد الأول أن يوحد قوى العثمانيين، وأن يتبع سياسة السلام لتثبيت دعائم الدولة من جديد. ومن حسن حظ العثمانيين أن زاد عدد الأتراك الهاربين أمام جحافل المغول، فامتلأت بهم آسيا الصغرى وأملاك الدولة العثمانية في أوروبا، وانضم إليهم عدد كبير من أبناء المسيحيين البلقانيين، فازدادت قوة الدولة من الناحية الحربية بهذه العناصر الجديدة.
السلطان مراد الثاني وهو أبو الفاتح سيطر العثمانيون على آسيا الصغرى والبلقان، وانتصروا على البنادقة، واكتسحوا شبه جزيرة اليونان، وهزموا المجريين والألبانيين، وأصبح للعثمانيين التفوق في البلقان، وذهب نهائيا الخطر الأوروبي بعد موقعتي ورنه وقوصوه؛ فأصبح الأتراك في مأمن من ناحية الدانوب، وألزم الإمبراطور البيزنطي بدفع الجزية. ولم يبق من ممتلكات الدولة البيزنطية إلا القسطنطينية وضواحيها. فكان الاستيلاء على هذه المدينة مهمة أعظم سلاطين هذه الدولة، وهو السلطان محمد الثاني الذي سيلقب بالفاتح لفتحه هذه المدينة، وبالقانوني لتنظيمه القوانين العثمانية.
شخصية الفاتح
محمد الثاني من أقوى الشخصيات الممتازة التي تولت السلطنة العثمانية وأعظم معاصريه على وجه الإطلاق ومن أكبر شخصيات العالم.
نامعلوم صفحہ
تولى الإشراف على أمور الدولة العثمانية، وهو أعز ما يكون نضارة في الشباب وقوة في الجسم، تولى الملك وهو في الحادية والعشرين من عمره، ولد في 26 رجب سنة 833 هجرية/20 أبريل سنة 1429 ميلادية، ولا ريب أن هذه سن مبكرة لمن يتولى مهام الحكم الجسيمة لدولة عظيمة ناشئة كالدولة العثمانية. ولكن والده السلطان مراد الثاني كان قد اهتم بتربيته اهتماما خاصا، وأحسن اختيار من يقوم على تعليمه وتدريبه.
لقد تدرب محمد على أمور الملك عمليا قبل وفاة والده؛ فلقد تولى أمور السلطنة فعلا مرتين حينما آثر السلطان مراد الثاني اعتزال الملك والانصراف إلى حياة الراحة والإخلاد إلى السكينة. عرف محمد كيف يتحمل المسئولية في حياة أبيه، وعرف كيف يواجه مشاكل الدولة والحكومة، وخبر الرجال، وكشف مواطن الضعف في نفسه وعمل على معالجتها، ودرس نظم الدولة الداخلية وقدر مهمتها الخارجية ومشاكلها الدولية. ومما يروى أثناء توليه السلطنة في حياة أبيه أنه باشر أعمال الملك بنشاط وحماس، ولم يلتفت إلى آراء ذوي الخبرة ممن حوله من وزراء أبيه مما اضطرهم إلى شكواه إلى والده، فلقد بعث خليل باشا الصدر الأعظم إلى مراد بخطاب يقول فيه: «إن هذا السلطان لا زال صغيرا في السن وليس لديه اضطلاع بأمور الملك، وليست له التجربة الكافية، وخاصة في الأمور الحربية، ومما يزيد الحالة سوءا أنه لا يستمع لغير نفسه ويرفض تقبل النصائح التي تسدى له بدرجة أنك إذا لم ترجع إلى العرش سيصبح شعبنا في خطر عظيم.»
كان هذا درسا للسلطان الصغير لم ينسه طول حياته؛ فلقد عرف كيف يستمع لنصيحة والده، ويقدر من حوله وكيف يدرس الأمور بنفسه، وكيف يحسن سياستها، وينحني أمام العاصفة إلى أن تنتهي، عرف محمد كيف يضبط نفسه، وكيف يدرس خدامه وجنوده، ولا سيما الإنكشارية، فخبر اقتدارهم على الخير والشر، فاهتم بمسائل النظام أعظم اهتمام.
وجد محمد الثاني أبا له من أعظم سلاطين آل عثمان ، وكانت أمه مسيحية كما تقص رواية حياته، فامتزجت فيه أحسن صفات الشرق والغرب في ذلك الوقت، وإذا كان للوراثة والبيئة أثر مهم في حياة الإنسان وصفاته وأخلاقه؛ فلقد ورث عن أبيه الجلد والشجاعة وشدة المراس والصبر على المكاره وعدم اليأس، كما أخذ عنه المعرفة بأمور الحرب، والإتقان في وضع الخطط الحربية وحصار المدن وقيادة العمليات الحربية.
كان السلطان محمد الثاني قمحي اللون، متوسط الطول، متين العضلات، كبير الثقة بنفسه، ذا بصر ثاقب، وذكاء حاد، ومقدرة على تحمل المشاق، يحسن ركوب الخيل واستعمال السلاح. كان محبا للتفوق، ميالا للسيطرة، طموحا سريعا في فهم المواقف، يحسن معالجة الأمور، كبير اليقظة، يحيط بتفاصيل الأشياء ويدرك بسرعة أهم مواضعها.
علمه أبوه فأحسن تعليمه، فنشأ ذلك الرجل مثقفا ثقافة حقيقية كأحسن ما تكون ثقافة إنسانية شرقية في عصره، فلقد كان ملما بجملة لغات أجنبية، فكان يحسن إلى جانب لغته الأصلية التركية: العربية والفارسية والإغريقية، ويفهم الإيطالية، وكان بجانب إلمامه بهذه اللغات واسع الاطلاع في آدابها يتذوق الجميل منها.
نشأ مهتما بدراسة التاريخ مغرما بقراءة سير العظماء والأبطال، فقرأ بإمعان حياة القياصرة أوغسطس وقسطنطين الأكبر وتيودوسيوس الأكبر، وأعجب بشخصية الإسكندر الأكبر المقدوني أيما إعجاب، فلقد لمح فيها صورة من نفسه، رأى فيها قوة النفس وصحة العزم وسرعة التنفيذ بعد إحكام الخطة وعدم التردد. كان ذهنه كذهن الإسكندر من قبله مملوءا بالمشاريع، مكتظا بالخطط، وكان عقله خزانة لأسراره فهو يحتفظ بها، يكتمها ولا يعلن بها إلى أحد إلا في الوقت المناسب حينما يقدم على تنفيذها.
كان محمد الثاني يحب الفنون لا سيما الموسيقى والرسم، ويتذوق الأدب ويحفظ الشعر الجميل ويقوله، ويهتم بدراسة الفلك، وكان يحسن استغلال دراساته في تقويم نفسه وإصلاح عقله والتأثير على المحيطين به.
ولكن حياته كانت حب الحرب فاضطلع بفنونها أيما اضطلاع، وما كان يعلم بأي اختراع حربي إلا ويكون السباق إلى معرفته واستكماله والاستفادة منه، ومن ذلك اهتمامه الكبير بالمدفعية وبالبحرية.
كانت حياته بسيطة لا تعدو القراءة والتدرب على الحرب ثم الصيد ، كان عدوا للترف، منصرفا عن حياة إرضاء الشهوات، كانت عاداته غير معقدة، ومائدته بسيطة، ولم يكن له ندماء ولا محظيات بالمعنى الذي يفهمه سلاطين ذلك العصر الماضي وملوكه، فعاش وحيدا بعيدا عن الاختلاط المبتذل في جو كله هدوء، كله ثقافة وعلم، أو جو صاخب هو جو الهيجاء والنزال والنضال والحرب.
نامعلوم صفحہ
عاش محمد الثاني في جو ساد العالم فيه خشونة وقسوة، في وقت كله حماس ديني وتعصب في آسيا وأوروبا، فلقد دام النضال بين المسيحية والإسلام مدة طويلة زادت فيها الأحقاد وهبطت إلى أعماق النفوس فغذت روح البغض وحب التشفي والانتقام. ولذا ظهر في بعض تصرفات السلطان الفاتح بعض الشدة والعنف، وإن كان ذلك بخلاف والده الذي كان دائما رقيق الجانب مشهورا بالعطف والرحمة وحب العفو. وربما لم تكن هذه الشدة وذلك العنف في طبيعة السلطان محمد الثاني، فهو رجل قد سمت نفسيته وانصقل ذوقه واتسع أفقه، ولكن العصر - كما قلنا - كان عصرا قاسيا وغير رحيم.
فإذا كان قد ظهر أثناء فتوحات هذا السلطان بعض العنف، فربما كان وليد ذلك العصر الذي تحمس فيه المسلمون للجهاد والتوسع والفتح، وتحمس فيه المسيحيون لدينهم وناضلوا نضال المستميت للدفاع عن حرياتهم، واشتد ذلك الصراع والنضال بين الفريقين إلى درجة تلاشى معها العطف والعفو بين الفريقين.
حبا الله ذلك السلطان المواهب الممتازة والمقدرات العظيمة؛ فهو سياسي بعيد النظر يحسن انتهاز الفرص، وكرجل من رجال الحرب هو من الطراز الأول لا يدانيه أحد في عصره.
كان السلطان محمد الثاني يهتم اهتماما خاصا باختيار من يعاونونه في الإدارة والحكم، وهو لا ينظر في ذلك إلى الهوى الشخصي وإنما ينظر إلى المصلحة قبل كل شيء، وكان يرى بنفسه أن أوامره تنفذ بكل دقة.
ولم يكن ممتازا في الناحيتين الثقافية والعسكرية فحسب، فكانت كفايته الإدارية والقانونية عظيمة، فلقد أنشأ دولة عظيمة، وبنى ملكا كبيرا، وقضى على دولة كانت في يوم من الأيام لا تقهر، فلا بد إذن من وضع تنظيم جديد وإصدار قوانين جديدة تتناسب ودولته المجيدة، فمحمد الثاني هو الذي وطد دعائم الملك العثماني في داخل إمبراطوريته الكبيرة، فاكتسب للعثمانيين النصر الخارجي وقنن لهم القوانين، وعمل على استقرار الحالة الداخلية.
لقد ادعى مؤرخو عصر الفاتح من الأجانب أنه لم يكن كبير التعلق بالدين، وقالوا إن ذلك نتيجة طبيعية لثقافته الواسعة والظروف التي قامت فيها دولته، ويدللون على ذلك بتسامحه مع الكنيسة الإغريقية. وهذه الدعوى باطلة من أساسها؛ فالحوادث تظهره شديد التمسك بالدين، عظيم الإكرام لأهله، كريم الخلق، شديد التواضع لله، دائم الحمد له، وإذا كان قد أظهر التسامح مع الكنيسة الإغريقية فهذا لا ينقص من تدينه، ولا يتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف. ومن المعروف عن السلطان الفاتح أنه كان ينظر إلى الأمور بعين السياسي القدير المتسامح لا المتعصب الضيق الأفق، ومهما يكن من شيء فإن أعمال الفاتح وفتوحاته ومجهوداته كانت كلها في سبيل رفعة الإسلام والسمو بمركزه، ووفق في ذلك توفيقا نادر المثال، وكان أعظم أعماله القضاء على الدولة البيزنطية وفتح مدينة القسطنطينية.
تداعي الدولة البيزنطية
لقد كانت الإمبراطورية البيزنطية التي عرفها العثمانيون واحتكوا بها جزءا من الإمبراطورية الرومانية الشرقية السابقة، كانت دولة قد سيطر البنادقة والجنويون على حياتها الاقتصادية، وكانت كثيرا ما تقع فريسة لعدوانهما وأطماعهما. وكثيرا ما وجدت نفسها حائرة بينهما، إذا صادقت فريقا اعتدى عليها الفريق الآخر.
عمرت الدولة البيزنطية أو الدولة الإغريقية نحو ألف عام، قاست في خلالها من المحن والأهوال ما لم تقاسه دولة أخرى، وداهمتها خطوب لو أنها داهمت دولة غيرها لقضت عليها قضاء مبرما، ومرت في أزمات داخلية وخارجية عظيمة، وأدت للمسيحية ولأوروبا المسيحية خدمات جليلة تكل تحت عبئها أعظم الدول وأقواها.
ولكن الدول كالأفراد تماما لها صباها ولها شبابها، ولها كهولتها وهرمها؛ ففي القرن الرابع عشر الميلادي أخذ الهرم والهزال والسقم يدب حقيقة في جسمها، فشلت قوتها، ونالها الاضمحلال فأوشكت على الانهيار، هذا في الوقت الذي كانت فيه نظم الأتراك العثمانيين تزداد كل يوم إحكاما وقوة، وتسعى للحياة والعظمة ثابتة متفوقة ...
نامعلوم صفحہ
سيطر في هذه الدولة نظام الملكية الإمبراطورية، وهي ملكية مستبدة مقدسة ليس لسلطتها حد، فهي مستمدة من الله مباشرة كما كان يعتقد في ذلك الوقت. فالإمبراطور ملك وقسيس معا؛ فهو إذن فوق القانون، وهو رأس الهيئة التنفيذية، وفي يده تتركز السلطة التشريعية، وهو يشرف على الإدارة ويحكم الكنيسة كما يحكم الدولة.
وتمتع الإمبراطور البيزنطي في ظل ملك ثابت الأوتاد بفخامة وعظمة لا مزيد عليهما، ورأى من أيام المجد ما لم يدانه إلا أيام البؤس، فكانت الثورات كثيرا ما تقوم عليه حتى من أفراد عائلته، بل من أولاده وإخوته فتقضي على قوته وتنزع ملكه، فمات عدد كبير من الأباطرة غدرا، أو هلكوا في ميادين القتال وهم يعملون على قمع ثورات هاجت عليهم.
في الملكية المستبدة يعتمد كل شيء في الدولة على ميول الحاكم وهواه وشخصيته إن كانت ضعيفة أو قوية، خيرة أو شريرة، صريحة أو ماكرة معوجة، وعلى خبرته في الحياة وفي الحكومة، في مثل هذه الملكية يصبح قصر الحاكم مقر الدولة الحقيقي ومركز كل شيء، ومصدر كل سلطة، وفيه توضع المشاريع والخطط، فتنشأ الدسائس وتدور المؤامرات. ففي ذلك البلاط البيزنطي الممتلئ بذوي الأطماع وذوي الأحقاد والحافل بالرقيق المجلوب من كل مكان وبالنساء والموظفين، كثرت الدسائس، وفكر كل شخص في نفسه قبل كل شيء، وتتابع سقوط الوزراء ونبغ ذوو الشخصيات القوية أو من يستطيعون التقرب والزلفى والتقلب مع الزمن.
والواقع أن تاريخ الإمبراطورية البيزنطية مملوء بالثورات والفتن والانقلابات السياسية. وبالرغم من أن النساء حجزن وراء الأسوار والحيطان فقد لعبن دورا مهما في حياة هذه الدولة المديدة الأجل، ومن قرأ التاريخ البيزنطي ولم يذكر اسم تيودورا أو إيرين؟!
وتجمعت مزدحمة حول الإمبراطور أرستقراطية قوية تحل في كثير من الوظائف الهامة في الدولة، وتتمتع بجانب كبير من الجاه والثروة والنفوذ، وتهتم بالمأكل الغذي المتنوع والملبس المترف، وتركن إلى حياة الملذات والشهوات.
قامت إدارة الإمبراطورية في الأصل على أساس نظم حربية، فالبيزنطيون يعتبرون أن قيمة الجيش للدولة كقيمة الرأس بالنسبة للجسم؛ ولذا كان الاهتمام به دائما عظيما، وكلما كان الجيش قويا ومنظما طالت حياة الإمبراطورية ونعمت بمركز قوي في أوروبا وآسيا، واستطاعت أن ترد أعداءها على أعقابهم خاسرين.
وكانت الإمبراطورية تجند في مبدأ الأمر أهالي البلاد، وبجانب هذا لجأت إلى استخدام الجنود المرتزقة لثقتها فيهم؛ فلقد كانوا محترفين للحرب ولهم دراية بفنها، ثم هم أقوى أجساما وأصلب عودا من الأهالي وأقدر على تحمل الصعاب والمكاره، وكان الإمبراطور عادة كريما في معاملتهم، لا يضن عليهم بالمال، بل ويمنحهم الأراضي الكثيرة وجعلها وراثية في أبنائهم من بعدهم.
وتبعا لذلك النظام كان الجيش خليطا من شعوب مختلفة عديدة، مكونا من عناصر غريبة لا يجمع بينها سوى حب المال والثراء والمغامرة، وفي كثير من الأحيان حب السلب والنهب والغنائم، فكانت هذه العناصر متباينة من حيث الميول والجنس واللغة والدين، ففيه الأوروبيون والآسيويون، وفيه القوط والهون والصقالبة، والترك والعرب، والإسبان والإيطاليون، والألمان ورجال الشمال من روسيا واسكنديناوه.
لقد كان لهذه الجنود أحياء خاصة في القسطنطينية تكاد تكون مستقلة، وكان لا بد لهم من قيادة حازمة قوية تستطيع كبح جماحهم وإيقافهم عند حدهم، وحين مس الدولة العجز في هاتين الناحيتين قاست الدولة من هؤلاء المرتزقة الأمرين، فكانوا أخطر الناس على حياتها ونظمها من الأعداء الخارجيين؛ إذ كانوا أدرى من غيرهم بمواطن الضعف في الدولة.
أما من حيث القوة البحرية، فلقد كانت الدولة البيزنطية - بحكم موقعها الجغرافي وإرثها التاريخي - دولة بحرية ممتازة. وإلى القرن الثامن كان أسطولها من القوة بحيث استطاعت الأشراف على البحار الشرقية حينا من الدهر طويلا. وإلى الأسطول يرجع الفضل في إنقاذ حياة الدولة مرارا. ثم أهمل الأسطول نسبيا فترة من الزمن؛ أولا: لأن الحرب مع الخلافة العباسية - أكبر أعداء بيزنطة - كانت حربا برية قبل كل شيء، ثانيا: لخشية الأباطرة ازدياد قوة رجال الأسطول إلى درجة يخاف منها على الإمبراطورية نفسها. ومن هنا كانت الدولة البيزنطية عاجزة عن المحافظة على جزر الأرخبيل اليوناني من غارات المسلمين حين سيطر هؤلاء على جزيرة كريت ثم على جزيرة صقلية.
نامعلوم صفحہ
وفي نهاية القرن التاسع الميلادي عاد للدولة رشدها فقررت إعادة تنظيم الأسطول، وبهذا أصبحت أول قوة بحرية في البحر الأبيض المتوسط، واستمر ذلك التفوق غير منازع إلى أوائل القرن الثاني عشر ثم عاد إلى الدولة الضعف في هذه الناحية بصفة خاصة حين فتح الأتراك السلاجقة معظم آسيا الصغرى، فحرمت بيزنطة من هذه المناطق البحرية التي كانت تجلب منها أحسن بحارتها؛ ولذا اعتمدت على بحريات الدول الأخرى، مثل بيزا والبندقية وجنوة، وأهملت تماما الإنشاء البحري، بل واعتبرت الأسطول مجرد مضيعة للوقت والمال.
ولم تعد للملكية الإمبراطورية في العهد الأخير هيبتها ولا مقدرتها على الإدارة والحكم. ولم تكن الأمور بمستقرة للإمبراطور البيزنطي في داخل الدولة، ولم تكن ظروفه الخارجية بأحسن حالا؛ فلقد تعددت الثورات السياسية العنيفة، وقام على العرش نزاع يكاد يكون مستمرا بين أفراد العائلة الإمبراطورية، واستعان كل مطالب بالعرش بالفرق والأحزاب المختلفة، بل وبالعناصر الأجنبية من الجنسيات المتباينة المحيطة بالدولة، واستخدم كل منهم الجنود المرتزقة واعتصم بأعداء الدولة، وتدخلت الجمهوريات الإيطالية لصالحها الخاص، كما تدخل الكتلان والإمارات التركية المبعثرة في الأناضول.
تدخلت كل هذه العناصر تنصر فريقا على فريق وتقوم بالسلب والنهب إذا سنحت لها الفرص؛ فتخربت أراضي الدولة مما فت في عضد الإمبراطورية وألحق بها الضعف الذي أنهك قواها ولم تجد منه برءا.
كذلك لم يكن استخدام الجنود المرتزقة في آخر الأمر في مصلحة الإمبراطورية، فهؤلاء جنود غرباء لا تربطهم بالوطن البيزنطي ولا بأهالي الدولة وشائج القرابة والنسب، ولم يدفعهم لخدمة الدولة سوى رغبة واحدة هي الكسب المادي؛ ولذا فهم لا يرعون إلا ولا ذماما، ولذا فهم مستعدون في كل لحظة للثورة وللانضمام إلى أعداء الدولة إذا لم تستطع بيزنطة إجابة مطالبهم التي لم تكن تنتهي. أصبح هؤلاء الجنود خطرا وبيلا على الدولة، فاستولوا على مدنها وخربوا قراها. لقد نهب المرتزقة من الأتراك مرة سرادق الإمبراطور نفسه حين فكر في التخلص منهم.
ثم إن فقدان الدولة البيزنطية اهتمامها بالبحرية جعلها تحت رحمة البنادقة والجنويين الذين لم يكونوا مخلصين لغير مصالحهم المادية، بل انتهزوا كل فرصة للنيل من هذه الدولة المنحلة وانتزاع الامتيازات منها والانتقاص من حقوقها، فأشرفت الدولة على الإفلاس المادي، ولو تمكنت الدولة من المحافظة على تفوقها البحري لما استطاع الأتراك العبور بسهولة إلى الشواطئ الأوروبية أو تثبيت أقدامهم فيها. •••
ومن أهم العوامل التي زادت في ضعف الدولة البيزنطية نمو دولتي الصرب والبلغار وتقلص ممتلكات الدولة في البلقان على أيديهم.
ولم يستطع هؤلاء الصرب أو البلغار بعد أن قضوا على الملك البيزنطي في البلقان أن يقفوا متحدين أمام الهجوم العثماني. وفي نفس الوقت الذي وضع فيه الأتراك العثمانيون أقدامهم في جاليبولي، كان على الدولة البيزنطية التي حاقت بها النكبات من كل جانب أن تصد هجمات إخوانها في المسيحية الصرب والبلغار ثم إغارات التتار. لقد حاولت الدولة البيزنطية محاولة اليائس أن تضم صقالبة البلقان إلى جانبها لتكون جبهة متحدة متراصة لمقاومة العثمانيين وطردهم من الأقطار الأوروبية التي احتلوها، ولكن مساعيها ذهبت هباء منثورا، فما كانت رغبة صقالبة البلقان في دمار بيزنطة لتقل عن رغبة الأتراك العثمانيين.
ويضاف إلى انحلال النظم وضعف الحكومة سوء سياسة الدولة من الناحية الخارجية، فكان أمامها فرص ثمينة لو انتهزتها وساعدها الحظ لاتقت شر الأتراك إلى حين. ولم تستفد الدولة من انقسام الأتراك على أنفسهم في مبدأ حياتهم، بل تدخلت تنصر فريقا على فريق، ولم تتركهم يحاربون مواقعهم بأنفسهم، لم تحاول بيزنطة الاتفاق مع التتار في الوقت الذي تداعت فيه أمامهم قوات العثمانيين، بل من الغريب حقا أن تتفق مع فريق من العثمانيين لتثبيت دعائم ملكه وتقوية سلطانه.
كذلك لم تعمل الدولة مخلصة على توثيق صلاتها بالغرب الأوروبي بترددها في الاعتراف بتفوق رومة، فلقد كان فريق كبير من سكانها يفضل سيطرة السلطان العثماني على سيطرة البابا. كان عزيزا على بيزنطة أن تقبل راضية سيطرة رومة. لقد قبل الإمبراطور قسطنطين اتحاد الكنيستين في آخر الأمر، واحتفل بذلك في كنيسة سانت صوفيا، ولكن بعد فوات الوقت، وحين انتهى أجل الدولة فلم تستطع أن تستقدم ساعة أو تستأخر.
ثم توالت الظروف السيئة على الدولة فتضرعت للغرب الكاثوليكي وقبلت شروطه ، ولكن الغرب لم يقدم لها المساعدة الكافية ولا التأييد الخالص في محنتها العظيمة. بل إن الجنويين تعهدوا للسلطان مراد الثاني بنقل ستين ألفا من جنوده إلى الشاطئ الأوروبي.
نامعلوم صفحہ
وما كانت الفوضى في الإدارة والحكم لتعمل على انتشار الأمن واستتباب النظام في أجزاء الدولة الباقية، بل لقد دعتها الحروب المستمرة إلى الإمعان في فرض الضرائب الفادحة؛ مما دعا السكان إلى التذمر وتفضيل الحكم العثماني حيث يستطيعون أن يتمتعوا في ظله بالهدوء والسكينة والعدالة.
ومما أنهك الدولة وامتص حيويتها كفاحها الطويل المستمر أمام أعداء أشداء غلاظ كثيرين لا يعصون أطماعهم ما أمرتهم، فمن قبائل جرمانية إلى جموع صقلية إلى خصوم من الآلان والأفار والهون والتتار والبلغاريين، إلى غزوات العرب والصليبيين والبنادقة والجنويين إلى هجمات الأتراك التي لم تكن تنقطع، وكل هؤلاء كانوا لا يرومون إلا دمار الدولة والقضاء عليها والاستيلاء على عاصمتها إلى أن كلت نهائيا، وساءت حالتها المالية وفقدت معظم بلادها وخسرت قومها ورجالها وسقطت في آخر الأمر صريعة الظروف أمام الغزو العثماني العنيف المنتصر.
ولكن إذا كانت الدولة البيزنطية ضعيفة مفككة، فلقد ظلت عاصمتها مدينة قسطنطين، تحتفظ بجانب كبير من رونقها وبهائها.
مدينة قسطنطين
عمرت مدينة القسطنطينية ألف عام بعد أن بناها الإمبراطور الروماني قسطنطين الأكبر بتوسيع بيزنطة المدينة الإغريقية القديمة، ولقد اختار قسطنطين عاصمته الجديدة في مكان منيع يصعب الدنو منه ويسهل الدفاع عنه. وأصبحت رومة الجديدة - كما كان يطلق على القسطنطينية - حاضرة دولة عظيمة، ومركز حضارة سامية، ورمزا لرقي باهر، ومصباحا وهاجا امتد نوره إلى الشرق الإسلامي والغرب المسيحي، فترك فيهما آثارا جليلة باقية، وكانت مصدرا لا ينضب لإلهام ولوحي جديد في الغرب كما كانت مصدرا للإعجاب والتقدير في الشرق.
لقد كانت هذه الحاضرة ناضرة مضيئة في وسط الظلام الحالك الذي كان يغمر العصور الوسطى في معظم أجزاء أوروبا ما عدا إسبانيا الإسلامية.
كانت القسطنطينية مركز الذوق والفن والجمال والتفكير في كل أنحاء أوروبا المسيحية ولم تكن مجرد ناقلة للحضارة الإغريقية القديمة؛ فهي مدينة امتازت باتصالات مستمرة وثيقة بالشرق والغرب معا، ففيها تقابلت الهلينية الإغريقية بالمسيحية الشرقية فكونت حضارة بيزنطية، تأثرت بالشرق الفارسي ثم الإسلامي وانتفعت بحضارته وتركت أثرا واضحا في حياته.
كانت القسطنطينية عاصمة للدولة البيزنطية، ورمز حضارتها، ومركز ثقافتها، وعنوان تمدينها، وقلبها النابض، وعقلها المفكر.
كانت القسطنطينية محط أنظار العالم الشرقي والغربي بأجمعه لمدة ألف عام، هذه المدينة «المحروسة» الضخمة العظيمة الزاهرة، باريس العصور الوسطى وموطن العلم والفن واللذة والقداسة. هذه المدينة بجمال موقعها حيث يتقابل الشرق والغرب، البر والبحر، بجوها المعتدل الصحي، وبمينائها المحمية، هذه المدينة العظيمة بميادينها العامة المتسعة وبواباتها، وتماثيلها المبثوثة في كل مكان، وعظيمة بكنائسها الفخمة المتعددة وأسواقها التي لا تقف حركتها، وملاعبها وحماماتها، هذه المدينة الشهيرة بحصونها المنيعة ومعاقلها المشيدة وقفت أمام البرابرة من هون وأفار وبلغار وروس وصقالبة، وحالت أمام آمال الغزاة والفاتحين من فرس وعرب وترك.
هذه المدينة كان يقصدها الناس من أقصى جهات أوروبا، ويتغنى بها الروسي على ضفاف أنهاره، ويردد ذكرها الأوروبي، ويطمع في الاستحواذ عليها الشرقي.
نامعلوم صفحہ
هذه المدينة الخالدة بنيت على تلال سبعة تشرف على شواطئ أوروبا وآسيا، وتنحدر بجمال وروعة إلى بحر مرمرة، وعلى انحدارات هذه التلال لمعت القصور الإمبراطورية.
أم هذه المدينة الناس من كل جانب، وسكنتها أجناس مختلفة، فوصل عدد سكانها في أوج عظمتها المسيحية إلى المليون.
ففيها الإغريق سكان المدينة الأصليين، وفيها الأجانب، فمن آسيويين بلحاهم الممتدة اللامعة وشعورهم السوداء، إلى بلغاريين برءوسهم المحلوقة وسلاسلهم التي تمنطقوا بها، إلى روسيين بملابسهم الفرائية الثمينة، إلى اسكندناويين بوجوههم البيضاء وشعورهم الذهبية المتموجة، إلى أرمينيين وصقالبة، ازدحم فيها الناس من كل جانب وغشيها التجار من كل صوب، المسيحيون منهم والمسلمون فازدحم البنادقة إلى جانب الجنويين والإسبان والفرنسيين والمسلمين من بغداد وسوريا.
ويرى الناظر فيها الجنود المرتزقة بأشكالها المخيفة وصلابتها وخشونتها تسير في الميادين والشوارع الممتدة، من فرنسيين وصقالبة وجرمان وإيطاليين وإسبان، فاختلطت فيها الأديان وتعددت اللغات واختلفت وتباينت المشاعر والإحساسات.
عاشت هذه الأجناس الغريبة فيها جنبا إلى جنب كجاليات أجنبية، بعضها قوي عديد والبعض منزو قليل، عاش البعض في أحياء مستقلة، وتمتعت بعض هذه الجاليات بامتيازات كبيرة فلم تخضع لقوانين البلاد الأصلية ولا لتقاليدها.
وكانت حياة الأرستقراطية في المدينة حياة الأبهة والترف فرفلت في ملابس الحرير يحليها الذهب، وتبخترت على جيادها الفخمة المنتقاة واشتركت في الدسائس وقامت بالثورات.
كانت القسطنطينية في أوروبا مدينة الدنيا والدين؛ فإلى جانب فخامة البلاط الإمبراطوري وقصور النبلاء الجميلة وملاهي الهبودروم والملاعب المكتظة باللاعبين والنظارة، كانت عظمة الاحتفالات الدينية وأبهتها، فلله كانت كنيسة سانت صوفيا، وللدنيا وللهو كانت الملاعب، وحول هذه جميعها دارت الحياة في القسطنطينية.
في هذه المدينة الهائلة تمثلت حياة الدين بأجلى مظاهرها وأروعها وأرهبها، وقامت الدراسات والمجادلات الدينية بنشاط واهتمام وحماس منقطع النظير، فمن الإمبراطور إلى النبلاء إلى رجال الدين إلى التجار، أحب الناس جميعا المناقشات الدينية وشغفوا بها. وكانت هذه المناقشات تنقلب في كثير من الأحيان إلى تنازع شديد وقتال تسيل فيه الدماء، فلم تخل هذه المناقشات والمجادلات الدينية من المطامع والأحقاد الشخصية والرغبات الدنيوية والمصالح الخاصة.
وظهرت في المدينة شتى الاعتقادات من أسماها إلى أدناها، فكان فيها احترام الأولياء والاعتقاد في قدرتهم الربانية ومعارفهم الغيبية، ووثق الكثير من الناس في تنبؤاتهم، وبنوا على توجيهها حياتهم، وانتشرت الخرافات والأساطير وصدقها الجم الغفير من أهالي هذه المدينة الزاخرة.
في هذه المدينة العظيمة كان الاهتمام كبيرا بتشييد الكنائس والأديرة والوقف عليها، فكانت هذه منتشرة في أنحاء المدينة رمزا للإحساس الديني العميق المتأصل في نفوس السكان، وكان رجال الدين والرهبان موضع الاحترام الزائد والإكبار، ولهم تأثير كبير على عقول الناس وسلطة واسعة وقوة حقيقية؛ فلقد اعتقد الناس فيهم قوة إلهية ومواهب ربانية. وكان الأباطرة أنفسهم يظهرون التعلق بالدين ويوقرون رجاله توقيرا كبيرا ويقدسون أماكنه؛ ففي سانت صوفيا التي شادها الإمبراطور جستنيان كان يتوج الإمبراطور، وفيها يحتفل بالأعياد، وهي فوق صفتها الدينية كانت مركزا كبيرا من مراكز الحياة العامة.
نامعلوم صفحہ
كانت هذ الكنيسة من عجائب القسطنطينية؛ فقبتها العالية وصفها المعاصرون وكأنها «معلقة من السماء بسلسلة ذهبية»، وكان جمال زخارفها ورونقها وأعمدتها ورخامها يبهر النظر. وأما مصابيحها الوهاجة وبخورها العبق، وأما الحفلات الدينية التي كانت هذه الكنيسة عامرة بها والآيات والأناشيد التي ترتل فيها والصلوات التي تقام فكانت تبعث في النفس الروعة وتشعرها بالجلال وتملؤها بالخضوع.
وبجانب ذلك الجلال والبهاء قامت القصور الفخمة العامرة بالملذات والترف وانتشر الفساد الخلقي والرشوة، وقامت أماكن كان يباع فيها الشرف والعرض وكل فضيلة إنسانية في سبيل متاع وقتي زائل.
واهتم الأغنياء بإشباع البطون واقتناء الأيقونات وأدوات الزينة وبالشهوات، وقامت أماكن اللهو والملاعب يمر فيها القواد المنتصرون، يسير خلفهم أسرى الحرب، هذا في وقت عز القسطنطينية. وجرى في الملاعب سباق العربات ومنازلة الرجال ومصارعة الحيوانات وأعمال الأكروبات ومهازل المضحكين. وفي هذه الملاعب عبر الناس عن أفكارهم، عن رضاهم واستيائهم. وفيها كانت توضع بذور الثورة وتقوم الثورات التي قد تهز عروش الأباطرة البيزنطيين.
وقامت بيوت الفساد والدعارة إلى جانب الكنائس والأديرة، وكما فاقت هذه المدينة المدن الأخرى في العظمة والفضيلة فاقتها في الفوضى والرذائل. فمن الميادين العظيمة تعرجت الأزقة المظلمة الموحلة وامتلأت بالكلاب واللصوص وقطاع الطرق، وكثرت فيها حوادث السرقة والاغتيال والغدر والقتل.
كانت القسطنطينية مدينة ثقافية ممتازة، فمركزها في شرقي أوروبا كمركز رومة في غربيها، وهي في ثقافتها متأثرة بالقديم إلى حد كبير، محتفظة بالتراث الإغريقي. فمكاتبها الكبيرة مملوءة بالكتب الإغريقية، مزدحمة بالقارئين والدارسين، وكان الأدب اليوناني محور الثقافة والتعليم، بجانبه دراسة الكتاب المقدس وقصص القديسين والشهداء والحساب والموسيقى والآجرومية والبلاغة. لقد كانت جامعة القسطنطينية مركز الثقافة اليونانية موئل الدراسات الكلاسيكية.
ومن هذه المدينة العظيمة تعلمت إيطاليا فلسفة أفلاطون، ومنها أخذ العرب القانون وجانبا كبيرا من الثقافة اليونانية، وإذا كان لهذه المدينة تراث يخلد ذكرها في العالم فهو الأدب الإغريقي والقانون الروماني، فأباطرة القسطنطينية هم الذين جمعوا القوانين الرومانية - إرث رومة العظيم - وقننوها ونشروها.
وتمتع سكان هذه المدينة العظيمة بامتيازات لا يشاركهم فيها أحد، فكانوا معفين من الضرائب، توزع عليهم الحكومة مجانا ما يلزمهم من الخبز والنبيذ والزيت، وذلك حين كانت ثروة الإمبراطورية عظيمة ورزقها متوفرا وجانبها مهابا .
والقسطنطينية مدينة صناعية وتجارية عظيمة بحكم موقعها الجغرافي المنقطع النظير في ذلك الوقت. فهي تقع في موضع ممتاز للاتصال بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، وبين البحر الأسود والبحر الأبيض؛ فهي من مراكز العالم المهمة في ذلك الوقت للتجارة، تأتي إليه المتاجر عن طريق البحر الأبيض والبحر الأحمر والبحر الأسود، من فارس والهند والشرق الأقصى وأواسط آسيا، من اسكنديناوه وشرقي أوروبا وغربيها، متاجر العالم المعروف في ذلك الوقت تجمعت في القسطنطينية وآوت إليها السفن من كل فج فكانت ميناؤها في القرن الذهبي تعج بحركة دائمة، وسهلت الحكومة البيزنطية كما سهلت الحكومة العثمانية من بعدها وسائل العيش والاتجار وتبادل المنافع، واشتهرت أسواقها بمواد الترف والزينة والمصوغات والأيقونات والعطور والمنسوجات الحريرية والكتانية الجميلة ذات الألوان الساطعة اللامعة، وإلى جانب التجار وجد الصيارفة يزاولون مهنتهم بنجاح كبير.
لقد تفوقت القسطنطينية - كما رأينا - على غيرها من المدن في مظاهر الحياة، وكان موقعها ومناعتها وغناها وثروتها ومبانيها ومباهجها ومركزها في العالم المسيحي من الأمور التي دعت الشرقيين من العرب والأتراك إلى محاولة الاستيلاء عليها وتحويلها من حاضرة للمسيحية إلى مركز مهم للإسلام.
قصة فتح القسطنطينية
نامعلوم صفحہ
كان فتح القسطنطينية أمنية من أكبر أماني المسلمين منذ نشأة دولتهم. فلقد حاولوا الاستيلاء عليها مرارا قبل عهد السلطان الفاتح. ففي دمشق كان معاوية بن أبي سفيان يمني النفس بالاستيلاء على مدينة القياصرة، ويرى في ذلك تثبيتا للخلافة الأموية ومجدا لا يماثله مجد، فأرسل قوة عظيمة إلى البوسفور لم تبال بما قاسته من المرض وقلة الزاد، وأمدها بابنه يزيد.
كان القتال حول هذه المدينة دائما عنيفا، وكانت خسارة المسلمين فيه دائما كبيرة، وظل معاوية يرسل بحملات سنوية استولت فعلا على إحدى الجزر القريبة من القسطنطينية لمدة سبع سنوات ثم تركتها حين تولى يزيد الخلافة. أنقذ المدينة تفوق البيزنطيين البحري ثم النار الإغريقية التي عرفت في ذلك الوقت، وفي هذا الحصار وتحت أسوار المدينة العظيمة استشهد أبو أيوب الأنصاري الصحابي المشهور، فأصبح لمدينة قسطنطين مركز خاص في نفوس المسلمين.
ولكن حلم الأمويين بالاستيلاء على هذه المدينة لم ينته بموت معاوية، فما إن استقر لهم الملك حتى عادوا يعدون العدة لتحقيقه، فكانت المحاولة الثانية في عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك، وكان الوليد قبل مماته قد أعد تجهيزات عظيمة برية وبحرية لتحقيق هذا الغرض المنشود. هاجم مسلمة بن عبد الملك المدينة برا وبحرا في عهد الإمبراطور ليو الثالث. وكان ذلك الرجل ممتازا في الحرب والسياسة فاستطاع أن يضم البلغار إلى جانبه، كما استطاع أن يهزم المسلمين برا وبحرا، ولعبت النار الإغريقية دورها بنجاح في هذه المرة أيضا.
كانت محاولة مسلمة آخر محاولة جدية قام بها العرب لفتح هذه المدينة، فلقد اضطرب أمر بني أمية، وجاءت الدولة العباسية فشغلت عن مدينة القياصرة بسكنى ديار الأكاسرة، ولم تعد تهتم بأمر الأسطول وظلت مدينة القياصرة الشرقيين منيعة باقية إلى أن جاء الأتراك العثمانيون.
فكان أول من حاصرها منهم السلطان بايزيد الأول ولكنه اضطر لرفع الحصار عنها حينما بلغه غزو التتار لبلاده، ثم حاصرها السلطان مراد الثاني، ولكن ضعف الأسطول العثماني وعدم وجود المدفعية القوية كانا عاملين على تركها، ويكفي أن ننظر إلى الاستعدادات العظيمة التي قام بها السلطان محمد الثاني وإلى المشقة التي وجدها في الفتح حتى نعرف إلى أي حد كانت القسطنطينية منيعة قوية.
ولم يكن العرب والترك وحدهم هم الذين تاقت نفوسهم لفتح هذه المدينة؛ فلقد حاصرها الأفار والبلغار وفشلوا في الاستيلاء عليها، ثم في أوائل القرن الثالث عشر غزاها اللاتين والصليبيون وفتحوها عنوة، ثم عادت الدولة البيزنطية للظهور في القسطنطينية مرة ثانية بعد أن ضعف اللاتين وذهبت ريحهم.
الممهدات للحصار
ثم قضى الله أن يستولي الأتراك العثمانيون على هذه المدينة الخالدة في منتصف القرن الخامس عشر.
ففي 3 فبراير سنة 1452 مات السلطان مراد الثاني عدو المسيحية الأكبر الذي كان اسمه يبعث الرعب في الدولة البيزنطية وفي أوروبا، مات في أدرنة عاصمة دولته الأوروبية بعد حياة حافلة بالانتصارات الرائعة على المجريين ومن حالفهم من سكان شبه جزيرة البلقان.
وكان ابنه محمد لا يزال مقيما في مدينة مغنسيا في آسيا الصغرى، قد أبعد عن أمور الحكم والسلطنة بعدما تولاها مرتين، وكان لا يزال حديث السن لم يمض بعد الحادية والعشرين من عمره، وكان لا يزال قريب عهد بالزواج من بنت الأمير التركي نورجاتير، وصلته أخبار وفاة والده فلم يعلنها خوفا من ثورة الإنكشارية، وأسرع بمغادرة هذه المدينة إلى جاليبولي فوصلها بسرعة كبيرة، وفي غاليبولي أعلن نبأ وفاة أبيه، ثم دخل مدينة أدرنة حيث أعلن سلطانا للأتراك العثمانيين باسم محمد الثاني، وفي أدرنة استبقى وزراء أبيه خليلا وإسحق بالرغم من حقده الشخصي عليهما، فكثيرا ما كان هذان الرجلان يخشيان بأسه ويحذرانه ويثنيان أباه عن عزمه في التخلي عن السلطنة له، ولكن محمدا الثاني أراد الاستعانة بهما في أمور الحكم لتجاربهما الواسعة ولدرايتهما بشئون الدولة ولتعلق الجنود بهما.
نامعلوم صفحہ
وأما معاصره قسطنطين فقد ولد قبل محمد الثاني بنحو ربع قرن من الزمان ليرث أضخم المسئوليات وأخطرها، ليرث إمبراطورية قد بقي منها الاسم والرمز، وغادرها العز والمنعة، إمبراطورية لم يبق منها إلا مدينة، ولكنها مدينة تملك سحرا وبهاء وجمالا وجاذبية لم تكن لأي مدينة أخرى في أوروبا في أواخر العصور الوسطى.
كانت السنة الأولى التي تولى فيها السلطان محمد الثاني لحظة رهيبة في حياة الإمبراطورية البيزنطية، هذه الدولة التي انحلت قواها أمام هجمات الأتراك المتوالية العنيفة، لقد فقدت هذه الدولة كل ممتلكاتها تقريبا، واستطاع الأتراك - رغم أنفها ورغم أنف الأمم البلقانية - نقل عاصمتهم إلى أدرنة - التي اتخذوها مقرا لحكمهم، ومعسكرا عاما لجنودهم - لشن حروبهم وغزواتهم في كل جهات البلقان، وتمكنوا من الإشراف على المضايق، على الدردنيل وعلى البوسفور، وفرضوا الجزية على الدولة البيزنطية البائسة.
لقد كان مجيء السلطان محمد الثاني مثيرا للرعب والفزع في القسطنطينية؛ فلقد كان أهلها يعلمون حق العلم أنه أقسم ليستولين على هذه المدينة، وأن ذلك سيكون أول مهمة يكرس حياته في سبيل القيام بها. لقد كان الاستيلاء على هذه المدينة الخالدة حلم أحلامه منذ صغره. وكانت عنده القوة العظيمة وأمامه الظروف المواتية للنجاح في تنفيذ مشروعه الخطر.
ما كانت العلاقات العثمانية البيزنطية حينما تولى محمد الثاني علاقات إخلاص وصداقة، فكان الأتراك العثمانيون موقنين بأن البيزنطيين سينقضون مواثيقهم إذا أتت أول فرصة، فكثيرا ما اتفقت بيزنطة مع أعداء العثمانيين إن لم يكن علانية فسرا، وأباطرة بيزنطة ينتهزون كل الظروف للإيقاع بين العثمانيين وإثارة الانقسام بينهم، فهم دائما يعضدون الأمراء الثائرين المطالبين بالعرش العثماني. ومحمد الثاني يذكر جيدا موقف بيزنطة حين أغار التتار. وقسطنطين لم يحسن التصرف حين تولى السلطان الجديد، فلم يعمل على كسب ثقته، بل لقد ظن فيه الضعف، واعتقد فيه التردد والخوف، فتقدم إليه بمطالب أثارت غضبه وحفيظته، فلقد أيقن أن قسطنطين يريد الانتقاص من كرامته وأنه يهدد ملكه، لقد طلب قسطنطين زيادة المرتب الذي يدفعه السلطان للدولة البيزنطية نظير تكفلها بأحد أبناء سليمان بن بايزيد الأول واسمه أرخان، ولمح الإمبراطور البيزنطي بأنه إذا لم يجب طلبه سيطلق سراح ذلك الأمير ليطالب بالعرش العثماني ويثير المشاكل للسلطان الجديد.
إذن فالمسألة مسألة حياة أو موت في نظر السلطان محمد الثاني، فكيف ينسى لقسطنطين ذلك الموقف، وخاصة وأنه كان في ذلك الوقت مشغولا بإخماد ثورة في آسيا الصغرى، ولكنه رد بأدب، وحذر البيزنطيين الضعاف عواقب سياستهم وسوء تصرفاتهم، وبين لهم أن الفرق شاسع بين خلق السلطان الجديد وخلق أبيه مراد، فمراد يمتاز بالهدوء، ولكن السلطان الجديد لا يحتمل الإهانة ولا يصبر على ضيم.
وكان السلطان محمد الثاني قد وطد العزم على فتح العاصمة الإغريقية؛ ولذا رأى توطيد دعائم ملكه قبل القيام بذلك المشروع الخطير.
رأى محمد أن البيزنطيين ليس لهم عهد ولا يمين، فلقد كان يذكر لهم المواقف السيئة في عهد أبيه؛ ألم تؤيد القسطنطينية فعلا مطالبا بالعرش العثماني؟ ألم تمده بالسفن وتسهل له العبور؟ ألم تعمل بيزنطة على إثارة القلاقل ضده في آسيا الصغرى؟ إذن ففتح القسطنطينية والقضاء على هذه الدولة أمر لا بد منه إذا أراد العثمانيون ثبات ملكهم وحرصوا على مستقبلهم.
وكانت حال المدينة العامة سيئة للغاية؛ فهي وضواحيها كل ما اشتملت عليه الإمبراطورية الإغريقية، وليس لديها من الجنود المدربين إلا العدد القليل، وأما من السفن فبضع لا تغني فتيلا في وقت المحن ولا ترد جليلا من الخطوب.
وكثرت البعثات السياسية التي أرسلتها القسطنطينية إلى أوروبا طالبة الغوث والنجدة - كما يقول مؤلف تاريخ الصليبيين في العصور الوسطى المتأخرة
1 - لكن كانت هناك مصاعب عظيمة في سبيل نجاح هذه البعثات، وأهم هذه المصاعب اختلاف الكنيستين الشرقية والغربية، الأرثوذكسية والكاثوليكية، والنزاع بين بيزنطة ورومة.
نامعلوم صفحہ
ولقد بذلت مساع دبلوماسية هائلة في سبيل التوفيق بين الشرق البيزنطي الأرثوذكسي والغرب الروماني الكاثوليكي. ولكن البابوات لم يستطيعوا قبول ذلك التوفيق إلا إذا اعترفت رسميا الإمبراطورية البيزنطية ورجال الدين البيزنطيون بتوحيد الكنيستين على حساب بيزنطة طبعا. وعلى أساس ذلك الشرط وحده تستطيع البابوية أن تعمل على إثارة العالم المسيحي الغربي لمساعدة بيزنطة في حربها ضد المسلمين.
وربما لم يكن لدى الإمبراطور البيزنطي قسطنطين مانع من قبول هذا الشرط المهين، ولكنه كان يعلم حق العلم أن الأكثرية من سكان مدينة القسطنطينية ومعظم قساوستها معارضون لهذه الفكرة، عاقدوا العزم على رفضها ومحاربتها.
ولم تكن هذه المحاولة أول محاولة من نوعها؛ ففي المدة الواقعة بين سنتي 1054 و1453 كانت هناك ثلاثون محاولة لاتحاد الكنيستين، وكان هذا الاتحاد غاية ما يصبو إليه أباطرة الغرب والبابوات؛ فلقد كان هذا التوحيد في نظرهم أنجع علاج للأمراض العضال التي تعاني منها المسيحية ولضعفها المتزايد. فإذا تم ذلك التوحيد بتنازل الشرق عن كنيسته وقبول سيطرة رومة؛ إذن تعود للمسيحية قوتها الأولى ووحدتها، وإذن تستطيع الوقوف أمام قوات الإسلام التي يزداد خطرها يوما بعد يوم.
قامت محاولات، ولكن قامت في سبيلها صعوبات، فهناك مواضع للخلاف كبير على الكنيسة الشرقية قبولها، واختلطت المصالح السياسية بالمصالح الدينية إلى حد كبير، بحيث لم يكن من السهل الفصل بين المصلحتين أو تغليب إحداهما على الأخرى.
ولم يستطع أحد من الفريقين التخفيف من تعصبه، فعامل كل واحد الآخر كملحد وخارج على الدين المسيحي، ووصل الأمر إلى درجة أن الغرب الكاثوليكي لم يكن يهدد بحروبه الصليبية الإسلام وحده ، بل كان يهدد الأرثوذكسية ذاتها والقسطنطينية بحرب صليبية لا تبقي ولا تذر. ولم يكتف الغرب بحملته الصليبية الرابعة على هذه المدينة، بل كان يفكر متأثرا بالبابوية في إعداد حملة صليبية أخرى تقضي هذه المرة القضاء المبرم على الأرثوذكسية.
ولكن تهديد الأتراك المستمر للقسطنطينية جعل الأباطرة البيزنطيين ينزلون مرغمين عن كبريائهم، ويطلبون النجدة والعون أيا كان الثمن، فأعلنوا رغبتهم في توحيد الكنيستين وقبول سيطرة رومة، وحاولوا تبرير تحالفهم في بعض الأوقات مع الأتراك بأنهم مستعدون للقيام عليهم ومحاربتهم متى نفذ الغرب وعده وفي الوقت المناسب الموعود.
وإزاء ذلك جاهد البابوات في سبيل إثارة العالم المسيحي على المسلمين والإسراع بنجدة بيزنطة، ولكن هذه المجهودات كانت فاشلة في كثير من الأحيان حتى مع الجمهوريات الإيطالية: البندقية وجنوة، وحتى مع فرسان رودس. ذهبت معظم هذه المجهودات هباء منثورا.
وكان أباطرة القسطنطينية يسعون جادين إلى الاتحاد مع الغرب كلما هددهم الخطر التركي، فإذا خف ذلك الخطر أهملوا الغرب كلية، فلقد كانوا يرون في ذلك الاتحاد سلاحا ضد الأتراك، فكانوا معنيين قبل كل شيء بالمساعدة المالية والحربية التي يستطيع الغرب أن يقدمها لهم. ولكن أهل المدينة أنفسهم وقساوستها رفضوا اتحاد الكنيستين، وكانوا مستعدين للتضحية باستقلالهم السياسي في سبيل استقلالهم الديني. فلقد كانت ذكرياتهم عن سيطرة اللاتين ذكريات ساخطة ممعنة في الإيلام، ففرض الوحدة بالقوة في سنة 1204 أثار حقد الإغريق الهائل، ورغبتهم في الانتقام.
وعلى أي حال لم تنجح دعاية البابوية إلا في تكوين حملة صليبية واحدة كانت نهايتها المحزنة في نيكوبوليس، ولم يعد من السهل بعد ذلك تكوين حملات صليبية أخرى لنجدة القسطنطينية.
ولكن في هذه المرة كان الخطر عظيما على القسطنطينية إلى درجة تهدد حياتها، وكان لزاما على البابوية أن تقدم بعض المساعدة، لا سيما وأن قسطنطين كان مستعدا للاعتراف رسميا بتوحيد الكنيستين الشرقية والغربية توحيدا نهائيا. فوعد البابا بإرسال أسطول وأرسل فعلا الكاردينال إيزيدور مندوبا عنه ليقبل خضوع الكنيسة الشرقية الرسمي. •••
نامعلوم صفحہ
بدأ الكاردينال إيزيدور رحلته إلى القسطنطينية الخائفة في أواخر سنة 1452، ووصلها في ديسمبر من هذه السنة، وأقيم حفل عظيم في كنيسة سانت صوفيا حضره الإمبراطور البيزنطي والبطريرك جريجوري يساعده ثلاثمائة قسيس للاحتفال بتوحيد الكنيستين ووحدة المسيحية.
وبجانب ذلك الفريق الراضي عن التوحيد أو المتظاهر بالرضا، وجدت معارضة قوية غاضبة ثائرة على رأسها جناديوس، هي في ريب مما يدعو إليه الفريق الأول، وهي تنذر بالويل والثبور إذا تم ذلك الاتحاد. وكثرت النبوءات عن العذاب الذي سيلحق بيزنطة إذا تم اتباع الملة الغربية، وهي تقول بسقوط الإمبراطورية وبغضب الله إذا سيطرت رومة على مدينة قسطنطين، ونادى أتباع جناديوس بالموت والدمار لمن يعتنق الكاثوليكية، وسحقا لمن يقبل الاتحاد معها، ودعوا العذراء مبتهلين أن تنجي المدينة العظيمة من الخطر التركي الداهم، كما أنجتها من قبل من الأكاسرة الفرس، والخلفاء العرب.
ما كان جم غفير من أهل القسطنطينية يعتقد مخلصا في الملة الجديدة، وهي الكثلكة الغربية، بل هم منها في شك مريب، وحتى الإمبراطور قسطنطين نفسه الذي تربى تربية إنسانية بمعنى الكلمة، وتثقف ثقافة حقيقية كان عنده نفس الشعور، إلا أنه قبل ذلك الاتحاد لأسباب سياسية قبل كل شيء على أمل مساعدة الغرب الكاثوليكي في محنته الوشيكة الوقوع.
وأما السلطان محمد الثاني خصمه العنيد فلقد استعد للحرب بكل ما لديه من قوة ومن عتاد الخيل وأدوات الحصار، ولكن الكثيرين من أهل القسطنطينية رأوا أن إمبراطورهم قسطنطين قد ارتكب شيئا إدا تخر له الجبال هدا بقبوله اتحاد الكنيستين، ورأوا في ذلك محنة المحن ومهزلة الدهر، وخطوة غير عملية، وخطة خاسرة. بل لقد قال أحدهم والخطر محدق بمدينتهم إنه يفضل أن يرى في مدينة قسطنطين الأكبر عمامة السلطان على أن يرى قبعة البابا. وكان يشارك هذا الرأي الكثيرون من أهل المدينة الذين كانوا يمقتون اللاتين مقتا شديدا.
وفي ذلك الوقت العصيب كان الشغل الشاغل للسلطان محمد الثاني هو الاستعداد لفتح أم المدن وملكتها، فهو يفكر ليل نهار في فتح هذه المدينة العظيمة، كما يروي هامر
2
عن أحد خصوم السلطان المعاصرين. فهو يقضي النهار وزلفا من الليل قلقا مضطربا مفكرا في كيفية الاستيلاء عليها، وهو لا تكاد تفارقه خرائط المدينة التي جعل دراستها عمله اليومي، وهو يدرس مواضع أسوارها ومواطن الضعف فيها، وهو يضع الخطط تلو الخطط للتغلب على قوة دفاعها، وهو يدرس التفاصيل الدقيقة بصبر واهتمام لا مزيد عليهما.
لقد عرض عليه الإمبراطور البيزنطي السلام، ولكن محمدا ما كان يعتقد في سلام البيزنطيين، ولا يعطي أهمية كبيرة لكلمة زعماء المسيحية؛ فهم في نظره لا يربطهم مع المسلمين عهد ولا ذمام، ألم يصرح أحد الكرادلة في عهد أبيه السلطان مراد الثاني بأن المسيحيين في حل من نقض معاهداتهم مع المسلمين، وقال: إن نقض المعاهدات مع المسلمين ليس مخالفا للدين المسيحي؟! فكيف يستطيع السلطان أن يصدق إذن كلمتهم أو أن يرتبط بوعد من وعودهم؟
ثم مسألة ثانية، لقد وفقت الدولة البيزنطية موقفا غير ودي في محنة الدولة العثمانية حين غزا التتار بقياد تيمورلنك آسيا الصغرى، أليس وجود الدولة البيزنطية حجر عثرة في سبيل إشراف العثمانيين التام على البلقان وقاعدة ضد العثمانيين في وسط بلادهم؟ وجودها وحده عامل على تشجيع الغرب على محاولة طرد العثمانيين من أوروبا.
لقد عرف محمد الثاني أن مهمته حقيقة خطيرة وخطرة، ولكنها واجبة النفاذ، فعمل على تمهيد الطريق لتنفيذ مهمة حياته وأكبر آماله.
نامعلوم صفحہ
فعمل أولا على استقرار الأمور في أراضي الدولة العثمانية. فأقر من عاونوا أباه في الحكم كما ذكرنا، وتخلص ممن ظن أنهم سيوجدون له مشاكل عاجلة أو آجلة أو سيكونون مصدر ثورات عليه في المستقبل، فهو يؤمن بضرورة استقرار الملك قبل كل شيء مهما بذل في سبيل ذلك من تضحيات ومهما أراق في سبيل ذلك من دماء. فماذا يهم في نظره دماء جملة أشخاص في سبيل القيام بمهمته العظيمة، وهي مهمة ترفع من شأنه، وتخلد ذكره، وترقى بمركز الإسلام.
ولم يغفل السلطان محمد الثاني الوسائل السياسية، فالأمور الدولية تحل بوسائل السلم كما تحل بوسائل الحرب، وكل منهما له وقته المناسب وظروفه الخاصة، ولا بد من تأمين حدوده وإسكات أعدائه. ولذا أخضع الثورات في ولاية قرمان، وعمل على استصلاح النفوس في آسيا الصغرى، هذا في ممتلكاته الآسيوية. أما في أوروبا فلقد عقد صلحا مع أكبر عدو وأخطر منافس للعثمانيين في البلقان، وهو هونيادي المجري، صلحا يضمن به السلام على حدوده لمدة ثلاث سنوات. وهو وإن لم يكن يثق كثيرا في مثل هذه المعاهدات إلا أنه يعرف أن موقعة ورنه ثم موقعة قوصوه في عهد أبيه الغازي قد أعطتا لهونيادي المجري درسا قاسيا لن ينساه، فلقد أضعفتا قوة المجر إلى درجة لا تجعلها تفكر جديا في الحنث بالعهد أو النكث بالاتفاق أو الانتقام.
وبين السلطان محمد الثاني في نفس الوقت أنه لا ينوي الغدر بالإمبراطور البيزنطي، وهدأ من روع صقالبة البلقان الذين كانوا قد ذاقوا من قبل سيوف العثمانيين.
وإذا كان السلطان محمد يستخدم الوسائل الدبلوماسية لخدمة أغراضه، فما كان الإمبراطور البيزنطي بمغفلها، فقسطنطين شخصية عظيمة، جم النشاط، عظيم الصبر، بطل من أبطال العصر، ولكن مولده لم يكن سعيدا وطالعه لم يكن ميمونا، وصفقته بإرث بيزنطة ومصائبها وآلامها كانت صفة خاسرة. ضحى قسطنطين أولا بالأرثوذكسية حتى يقنع الغرب بمساعدته في أزمته، وحلول التزوج إلى الغرب حتى يوثق أواصره به، ولم يكن هذا الزواج أول زواج أو ثانيه لذلك الإمبراطور الشجاع التعيس الحظ.
وفي أثناء ذلك كان السلطان محمد الثاني قد ثبت قواعد ملكه في آسيا وفي أوروبا، وكان عليه أن ينفذ وصية والده، وأن يحقق رسالته بفتح المدينة الخالدة. فحول مدينة أدرنة عاصمة العثمانيين في أوروبا إلى مصنع هائل للأسلحة، وجعلها مركزا لجيوشه المتجمعة من كل أنحاء دولته، وبنى دار السعادة الجديدة لسبك المدافع الكبار وصنع الأسلحة، واهتم بجعل عاصمته مركزا لتموين جنوده. ثم كان عليه أن ينشئ مركزا جديدا من مراكز قوته في أوروبا، حتى يستطيع الإشراف التام على البوسفور من ناحية الشاطئ الأوروبي.
وكان السلطان بايزيد الأول الغازي قد شيد على ساحل البوسفور الآسيوي حصنا منيعا هو أناضولي حصار لكي يشرف على مدخل البحر الأسود، فالحصن الذي شيده السلطان محمد الثاني - وهو روميليا حصار - بني لكي يواجه ذلك المعقل بحيث يستطيع الأتراك من هذين المعقلين أن يشرفوا إشرافا تاما على البوسفور، وعلى مدخل البحر الأسود. وبذا يسيطرون سيطرة تامة على الطرق الشمالية إلى القسطنطينية.
وهذا المعقل الجديد سيكون مركزا مهما من مراكز العمليات الحربية في أوروبا، ومحطة كبيرة للمعدات والذخائر، وشحنه السلطان محمد بالآلات النارية والمدافع والمرامي الرعدية والمكاحل، وهي مدافع يقول عنها صاحب صبح الأعشى إنه يرمى عنها بالنفط ... وبعضها يرمى عنه بأسهم عظام تكاد تخرق الحجر. وبعضها يرمى عنه ببندق من حديد من زنة عشرة أرطال بالمصري إلى ما يزيد على مائة رطل. وبهذا المعقل يستطيع السلطان بسلام تام وأمان نقل رجاله ونقل المؤن الحربية والعتاد الحربي بسهولة في ذلك الحيز من الماء الذي يقع بين شاطئ البوسفور والذي يبلغ نصف الميل.
وكانت الدولة البيزنطية عاجزة إلى حد أنها كانت ترى تنفيذ مثل ذلك المشروع الضخم، ولكنها ما كانت مستطيعة منع السلطان من إنجازه.
لم يصبح السلطان محمد الثاني بذلك الحصن الحصين مسيطرا على البوسفور فحسب، بل يصبح مسيطرا على بحر مرمرة أيضا؛ ولذا كان يؤمل أن يكون في مقدوره غلق البوسفور، والإشراف على الطرق البحرية المؤدية إلى المدينة من ناحية الجنوب ومن ناحية الشمال، وعزلها نهائيا بجيوشه البرية، فلا تستطيع استقبال أي مدد أو أية معونة من أي ناحية. ومن الغريب أن ضعف الدولة من الناحية البرية والبحرية وصل إلى حد أن حاول الإمبراطور البيزنطي التقرب إلى السلطان زلفى بإمداد عماله بالمواد الغذائية حتى يسهل إتمام المشروع بسرعة!
واستغرق إتمام ذلك المشروع الكبير بضع شهور. فذعر أهل القسطنطينية وأحسوا بالخطر الداهم يهدد حياتهم ومصيرهم، وشعروا بأن نهاية الدولة آزفة لا محالة. وتكرر احتجاج الإمبراطور على ذلك العمل وأشار إلى أن ذلك العمل ليس وديا بأي حال إزاء دولة تربطها بالدولة العثمانية رابطة الجيرة، ولكن ذلك الاحتجاج لم يكن بذي جدوى إذ لم يستمع إليه السلطان، بل قابله بالتهديد والوعيد، فهو يعلم أن الجيش الإمبراطوري البيزنطي لا يستطيع رد العثمانيين؛ فليست له قوة خارج أسوار المدينة العظيمة، ولقد ذكر السلطان قسطنطين - كما يروي هامر - بأن كل الأراضي الواقعة خارج أسوار القسطنطينية ملك له يتصرف فيها كيفما يشاء، فهو له الحق في كلا جانبي البوسفور الشرقي لأنه يقطنه العثمانيون والجانب الأوروبي لأن البيزنطيين لا يحسنون الدفاع عنه، وأنه مضطر اضطرارا إلى بناء ذلك الحصن، وبين له كيف حاولت الدولة البيزنطية أن تمنع العثمانيين من العبور حين قامت الحرب بينهم وبين المجر في عهد أبيه السلطان مراد الثاني.
نامعلوم صفحہ
ولم يستطع قسطنطين دفعا للخطر المجاور له، ولم يستطع منع العمال من السير في عملهم بهمة ونشاط، ولم يستطع منع الجنود العثمانيين من اكتساح كل القرى والضياع المجاورة للقسطنطينية ومن هدم المباني والمساكن لإتمام بناء حصنهم على ضفة البوسفور.
ولقد أخذ السلطان محمد الثاني على عاتقه الإشراف على إنجاز ذلك الحصن، وأعلن لرعايا سلطنته في آسيا وأوروبا أن يمدوه بالصناع والعمال للإسراع في إتمام مشروعه الكبير. فسار العمل بدقة وسرعة غريبتين، ولم يترك السلطان مجالا لأي شيء شأنه في كل مشاريعه الحربية.
اختار السلطان المكان بنفسه، وأظهر باشاواته وكبار موظفيه ولاءهم وإخلاصهم بالاشتراك مع العمال في نقل الأحجار والملاط والأدوات اللازمة للبناء.
وتقول بعض الروايات إن خمسة عشر ألف عامل قاموا بإنجاز ذلك المشروع، وتروي الأخرى بأنهم كانوا ستة آلاف فقط. وربما كان الرأي الثاني هو الأصح. ولقد كلف السلطان محمد قواده بأن يشرف كل منهم على جزء خصصه له، وأشرف بنفسه هو على الجميع.
وبذا لم تعد تصل إلى القسطنطينية الغلال التي كانت تأتيها عن طريق البحر الأسود. ولقد تم إنجاز المشروع في أغسطس سنة 1452 ولم يستطع الإمبراطور البيزنطي غير إمداد العمال الأتراك بالأغذية حتى يسترضي قلب السلطان الغاضب الثائر. ثم حاول بعد ذلك أن يلجأ إلى مهاجمة هؤلاء العمال وطردهم وتدمير ما أنشئوه، ولكن قوات السلطان كانت تقضي على هذه المحاولات بالقوة. ولا تزال آثار التحصينات العثمانية باقية إلى الوقت الحاضر كمظهر من مظاهر النشاط الهائل الذي عرفه التاريخ عن ذلك السلطان القاهر.
وكانت النتيجة الحتمية لبناء ذلك الحصن ولمقاومة البيزنطيين أن أعلن السلطان الحرب رسميا على الإمبراطور البيزنطي على أساس اعتداء البيزنطي على جنوده وعماله.
لقد عمل إنشاء ذلك الحصن على إدخال الذعر والخوف في قلوب البيزنطيين سكان المدينة وبقية رعايا الدولة. فلقد ترك السلطان في ذلك الحصن حامية قوية من جنود مختارين بقيادة فيروز آغا، وأمره بإيقاف جميع السفن التي تمر ببوغاز البوسفور، وأن يفرض عليها إتاوة، هي ضريبة المرور، وجهز الحصن بالمدافع القوية التي تجعل إرادته وأوامره محترمة.
وأخذت حامية ذلك الحصن تعتدي بانتظام على الجهات المجاورة، وفهم الإمبراطور البيزنطي أخيرا أن محاولته المحافظة على السلام بأي ثمن لن تفيده شيئا، فلا شيء يرضي العثمانيين غير القضاء على ملكه وغير الاستيلاء على مدينته؛ ولذا عقد العزم على الموت في عاصمته هو ورعاياه فأغلق أبواب القسطنطينية وبعث إلى السلطان محمد الثاني بما عزم عليه؛ ففي 6 أبريل كتب قسطنطين رسالة للسلطان العثماني يقول فيها:
لما كان من الجلي أنك تريد الحرب أكثر من السلام، ولما كنت غير مستطيع أن أقنعك بإخلاصي واستعدادي لأن أكون تابعا لك؛ لذا فالأمر لله، وسأحول وجهي إلى الله، فإذا كانت إرادته تقضي بأن تصبح هذه المدينة مدينتك، فلا مرد لقضاء الله وقدره، وأما إذا ألهمك الرغبة في السلام، فسأكون سعيدا ما بقيت، ومع ذلك فإني أعفيك من كل تعهداتك واتفاقاتك معي، وسأغلق أبواب هذه المدينة وأدافع عن شعبي إلى آخر قطرة من دمي ...
هذه كانت روح مدينة القسطنطينية أو الفريق الأكبر فيها حين قررت عدم الخضوع، وصممت على الدفاع إلى النهاية. أقفل الإمبراطور أبواب المدينة وقبض على كل الأتراك الموجودين في داخلها، فأرسل إليه السلطان محمد الثاني بإعلان الحرب، ويروي خصوم السلطان المسيحيون المعاصرون له أن السلطان أمر بقطع رءوس مبعوثي الإمبراطور البيزنطي، وهذه الرواية تحتاج إلى دليل، وظهر السلطان بعد ذلك بجيش يبلغ خمسين ألفا بجوار الأسوار، ثم رجع إلى أدرنة فلم يقم الإغريق بأية حركة معادية. كان غرض السلطان من هذه الزيارة القصيرة التي دامت ثلاثة أيام الاستطلاع ، وبحث موقع القسطنطينية، ودراسة قوة الأسوار والأبراج.
نامعلوم صفحہ
رجع السلطان إلى أدرنة حيث أتم استعداداته، وعمل على منع أخوي الإمبراطور في شبه الجزيرة الإغريقية من مده بالمساعدة. وذلك بأن أرسل جيشا قويا إلى المورة بقيادة طورخان فاكتسح بلاد المورة من أقصاها إلى أقصاها، وتمكن من وقف أي إمدادات مقصدها المدينة المحاصرة.
وكان لبناء ذلك الحصن على ضفة البسفور أثر كبير في حركة المرور بالبوسفور، فلما حاولت بعض السفن الآتية من البحر الأسود ومقصدها القسطنطينية، لما حاولت هذه السفن المحملة بمواد التموين المرور ولم تأبه لأوامر الحصون العثمانية دمر بعضها وقتل الكثير من رجالها. وبذلك ثبط العثمانيون من عزم أصحاب السفن التجارية، وشلوا حركة النقل.
ولقد جمع السلطان محمد الثاني في قصره في أدرنة قواد جيشه، ورسم لهم خطته، وذكرهم بمجد أسلافه وبانتصاراتهم الباهرة، وبين لهم أن قوة الإمبراطورية البيزنطية قد ضعفت واضمحلت، وأنه لم يبق أمامهم سوى عقبة واحدة في سبيل فناء هذه الإمبراطورية، فيجب الاستيلاء على مدينة القسطنطينية بأي ثمن، وأن الظروف السياسية والحربية مواتية، ولدى الأتراك القوة الكافية لتحطيم أي مقاومة، وأنه يجب الإسراع بإنجاز هذه المهمة قبل أن تستعد أوروبا للقيام بنجدة هذه المدينة، وقبل أن تصلها الإمدادات والمؤن التي قد تطيل أمد الحصار؛ ولذا لا بد من بدء هذه الحرب والسير فيها إلى أن ينزل الله نصره.
ونفذ السلطان محمد الثاني مشروعه بقوة وعزم منقطعي النظير، كان قادرا بطلا ذا جراءة، وشكيما منظما حديدي الإرادة، وتم استيلاؤه على كل الحصون التي لا زالت باقية في تراقيا حتى يحمي مؤخرة جيشه، وكذلك احتل كل المدن الواقعة على البحر الأسود وبحر مرمرة، واكتسحت جنوده ضواحي العاصمة، فبلغ الذعر فيها منتهاه، وعم القلق، وتناقل الناس الأقاصيص والخرافات والأساطير، وكثرت التنبؤات عن مصير المدينة المنكودة الحظ، وتزايدت النذر باندثار أعظم مدينة مسيحية، وأحس المسيحيون بهزات أرضية عنيفة، وفي السماء كثر الرعد والبرق، وهطلت الأمطار المتدفقة، وخيل للقوم أن نجوما جديدة في السماء قد ظهرت، لقد عمت الهستريا في الواقع عقول سكان المدينة المحاصرة، فكثرت أقاويلهم، وتبلبلت ألسنتهم وهلعت نفوسهم، وبلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنون.
ولكنه في نفس ذلك الوقت العصيب كان الإمبراطور الشجاع قسطنطين وزمرة من الشجعان من أهل المدينة قد أخذوا في تحصين المدينة، وإعداد وسائل الدفاع بكل ما استطاعوا من قوة حسبما سمحت لهم الظروف، وكان أول واجب هو إصلاح الأسوار المتهدمة التي أبلاها الدهر، وعفت أمام إغارات الغازين المتكررة. واستعملت لذلك أحجار القبور وكثير من الآثار القديمة والمنازل، وجمعت الذخائر والأسلحة بكل سرعة، وكذا الغلال والزيت، وجمعت الأموال التي يمكن الحصول عليها، وبعثت البعثات الصارخة إلى أوروبا، تطلب القوت والنجدة وتبكي حظ المسيحية في كل مكان فيه للمسيحية سلطان وقوة، واستمر ذلك طوال ذلك الشتاء الكئيب المكفهر، وكان معظم سكان المدينة قد فقد الأمل من وصول أي نجدة، وإن كان المسيحيون في أوروبا قد ظلت لديهم بعض الآمال في حدوث معجزة تنقذ حصن المسيحية الشرقي.
وثابر السلطان على تجهيز استعداداته للهجوم وتنظيم وسائله، فجمع جيشا عظيما ربما بلغ ربع المليون أو أكثر كما يرى هامر، وأنشأ أسطولا ضخما، وشحن حصونه بالأسلحة والذخيرة للقضاء على هذه المدينة البائسة. ومن شهر فبراير سنة 1453 بدأ بإرسال مدافعه وأخذ في الإسراع بإنشاء السفن. وقامت بعض السفن الإغريقية بالهجوم على الشواطئ التركية الإسلامية، فأخذت من قدرت عليه، وقتلت من قتلت، وخربت ما خربت، وباعت في الأسواق من باعت، فلما علم السلطان بذلك استشاط غضبا، وأقسم لينتقمن من سكان المدينة شر انتقام.
وكان الإمبراطور قد علم بهذه الاستعدادات العظيمة - كما يقال - عن طريق خليل باشا وزير السلطان، الذي يرى بعض المعاصرين أنه لم يكن مخلصا للسلطان بدليل اتصاله بقسطنطين وإخباره بما يعتزم عليه السلطان محمد الثاني من إيقاد نار الحرب والاستيلاء على المدينة. ولكنا لا ندري إذا كان خليل باشا قد كشف للإمبراطور البيزنطي عن أسرار مولاه أو عن خططه الحربية حتى تستطيع اتهامه بالخيانة. وعلى أي حال لقد ظل السلطان يثق به ثقة كبيرة طوال وقت الحصار وإن لم يأخذ برأيه في فك الحصار عن المدينة. ولكن حين تجمعت له الأدلة عن اتصاله بالأعداء وذلك بعد سقوط القسطنطينية أمر بضرب عنقه.
ولقد استمرت استعدادات كل من الأتراك والبيزنطيين طول وقت الشتاء، وجاءت إلى القسطنطينية بعض الإمدادات الضعيفة مثل سفينتين بندقيتين استطاعتا بصعوبة أن تنفذا من البوسفور وتلقيا مراسيهما في القرن الذهبي.
وجاء الكاردينال إيزيدور مبعوث البابا بمائتي مقاتل لنجدة المدينة ولإتمام توحيد الكنيستين الشرقية والغربية، وتبعته ثماني سفن من كريت تحمل النبيذ للمحاصرين، وكثرت اجتماعات المجالس واللجان في القسطنطينية وزاد طلب النجدات، وبعثت البعثات إلى المجر تطلب العون من بطلها هونيادي بألا يترك إخوانه البيزنطيين يسقطون صرعى في أيدي الأتراك العثمانيين. ولكن هذه الاستغاثات لم تجد استجابة ولم تلق غير التأييد اللفظي.
ثم جاء جون جوستينياني الجنوي على سفينة محملة بالمؤن والذخائر، ومعها أخرى وخمسمائة من رجاله فكانت جملة من معه سبعمائة. ولقد استقبله الإمبراطور استقبالا عظيما، وعينه قائدا لقوات البرية.
نامعلوم صفحہ