وأما الأسباب الباطنة: فهي أشد، فإن من تشعبت به الهموم في أودية الدنيا لم ينحصر فكره في فن واحد بل لا يزال يطير من جانب على جانب وقصر البصر لا يغنيه في ذلك فإن ما وقع في القلب كاف في الشغل، فهذا طريقه أن يرد النفس قهرا إلى فهم ما يقرؤه في الصلاة ويشغلها به عن غيره، ويعينه على ذلك-بأن يستعد له قبل تكبيرة الإحرام ولو بطرف عين-ذكر الآخرة وخطر المقام بين يدي الله سبحانه، والعرض عليه، ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة من جميع ما يهمه فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره.
فهذا طريق تسكين الأفكار، وكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دينه، وجند إبليس عدوه فإمساكه أضر عليه من إخراجه فيتخلص عنه بإخراجه.
ومن انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال إلى شيء منها لا ليتزودها ولا ليستعين بها على الآخرة فلا يطمعن في أن تصفو له لذة المناجاة في الصلاة، فإن من فرح بالدنيا فلا يفرح بالله سبحانه وبمناجاته، وهمة الرجل مع قرة عينه فإن كانت قرة عينه في الدنيا انصرف لا محالة إليها همه.
ولا ينبغي ترك المجاهدة ورد القلب إلى الصلاة وتقليل الأسباب الشاغلة، فهذا هو الدواء المر ولمرارته استبشعته الطباع فبقيت العلة مزمنة وصار الداء عضالا.
ما ينبغي أن يحضر في القلب عند كل ركن وشرط من أعمال الصلاة_ -خلاصات من كتاب قناطر الخيرات، القنطرة الثالثة: 203-231._
ينبغي لك أن لا تغفل أولا عن شروط الصلاة وأركانها:
الأذان: إذا سمعت نداء المؤذن فأحضر في قلبك هول النداء يوم القيامة، وتشمر بظاهرك وباطنك للإجابة والمسارعة، فإن المسارعين إلى هذا النداء هم الذين ينادون باللطف يوم العرض الأكبر.
الطهارة: إذا أتيت بها في مكانك ثم في ثيابك ثم في بشرتك فلا تغفل عن لبك الذي هو ذاتك وهو قلبك، فاجتهد له تطهيرا بالتوبة فإنه موقع نظر معبودك.
صفحہ 5