الأحكام التي تجوز في الأملاك، فإن قيل: يعارض ذلك بالنسبة إلى الشفعة قول مالك ﵀ في المدونة ولا شفعة في أرض العنوة ولا يجوز بيعها ... انتهى. لأن هذا يقتضي أن يكون هو الحكم في مكة، لأنها عنده فتحت عنوة، فالجواب، أن مكة وإن كانت فتحت عنوة فقد منَّ النبي ﷺ بها على أهلها، كما هو الراجح في ذلك، ففارقت بذلك غيرها من البلاد التي افتتحت عنوة، والله أعلم.
ويفارق مكة -أيضا- غيرها من البلاد في كراء دورها، فإنه مع القول بجوازه لا يخلو من كراهته، خصوصا في أيام الموسم، لأجل التوسعة بذلك على الحجيج، وورد عن كثير من السلف كراهة كراء بيوت مكة، وعن بعضهم التخفيف في ذلك في حق المضطر إليه، والله أعلم.
واختلف مذهب الإمام أبي حنيفة في أرض مكة، فروي عنه كراهة بيعها، فقيل: لا يجوز البيع، وذكر قاضيخان أنه ظاهر الرواية، وقيل: يجوز مع الكراهة، وأجاز ذلك صاحباه أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وعليه الفتوى على ما قال الصدر الشهيد الحنفي، وبه جزم حافظ الدين النسفي في كتابه "الكنز".
واختلف مذهب أبي حنيفة -أيضا- في إجازة أرضها، فروي عنه، وعن محمد بن الحسن عدم جواز ذلك. وروي عنهما جواز ذلك مع الكراهة.
واختلف في ذلك -أيضا- مذهب الإمام أحمد بن حنبل، فروي عنه جواز ذلك ومنعه، وذكر الموفق بن قدامة الحنبلي أن رواية الجواز أظهر في الحجة.
وذكر ابن المُنْجا -من الحنابلة- أن رواية المنع هي المذهب.
ولم يختلف مذهب الشافعي في جواز بيع دور مكة وإجارتها، لأنها عنده فتحت صلحا، وقال بعضهم عنه: فتحت بأمان، والأمان في معنى الصلح.
وقال صاحب "الحاوي الكبير" القاضي أبو الحسن المعروف بالماوردي الشافعي: عندي أن أسفلها دخلها خالد بن الوليد ﵁ عنوة، وأعلاها فتح صلحا ... انتهى.
قال النووي: والصحيح الأول ... انتهى.
وفي صحته نظر، لأن الفتح صلحا إنما يكون بالتزام أهل البلد المفتتحة ترك القتال، ولم يلتزم ذلك أهل مكة عند فتحها، بل أعدوا جمعا لقتال المسلمين عند فتحها، ولم يقبلوا تأمين النبي ﷺ لهم، والدليل على ذلك ما رويناه في صحيح مسلم١ من حديث عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة ﵁؛ فذكر حديثا في فتح
_________
١ صحيح مسلم "الجهاد: ١٧٨٠".
1 / 49