الأحاديث الواردة في صفة فتح مكة، ويخالف قول جمهور العلماء- ﵏ في أنها فتحت عنوة١، والله أعلم بالصواب.
وذكر السهيلي ما يقتضي ترجيح ما قيل من أن النبي ﷺ مَنَّ بمكة على أهلها مع كونه دخلها عنوة، وسيأتي ذلك قريبا -إن شاء الله تعالى.
وقد نقل الإمامان: ابن الحاج، وابن عطية المفسران المالكيان عن الإمام مالك ﵀ ما يقتضي أنها مملوكة لأهلها، وذكرا بعض الحجة على ذلك، فأما ابن الحاج: فإنه قال: وأباحت طائفة من أهل العلم بيع رباع مكة وكراء منازلها، منهم: طاوس، وعمرو بن دينار، وهو قول مالك، والشافعي، ثم قال: والدليل على صحة قول مالك، ومن قال بقوله.... فذكر دلائل على ذلك، ثم قال: وقوله ﵊ في حجة الوداع: "هل ترك لنا عقيل منزلا" مما يدل أنه ملك لأربابه، وأن عمر بن الخطاب- ﵁ ابتاع دار السجن بأربعة آلاف درهم، وأن دور أصحاب رسول الله ﷺ فيها إلى اليوم بأيدي أعقابهم، منهم: أبو بكر الصديق، والزبير بن العوام، وحكيم بن حزام، وعمرو بن العاص، وغيرهم ﵃ وقد بيع بعضها وتصدق ببعضها، ولم يكونوا ليفعلوا ذلك إلا في أملاكهم، وهم أعلم بالله ورسوله ممن بعدهم ... انتهى.
وأما ابن عطية: فإنه قال في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَاد﴾ [الحج: ٢٥]: أجمع الناس على الاستواء في المسجد الحرام، واختلفوا في مكة، فذهب عمر، وابن عباس، ومجاهد، وسفيان الثوري، وجماعة معهم، إلى أن الأمر كذلك في دور مكة، وأن القادم له النزول حيث وجّه، وعلى رب المنزل أن يؤويه شاء أو أبى، وكان كذلك الأمر في الصدر الأول، ثم قال: وقال جمهور من الأئمة منهم مالك: ليست الدور كالمسجد، ولأهلها الامتناع بها والاستبداد، وهذا هو العمل اليوم، ثم قال بعد أن ذكر الخلاف في فتحها: هل هو عنوة أو صلح، فمن رآها صلحا: فإن الاستواء في المنازل عنده بعيد، ومن رآها عنوة: أمكنه أن يقول: الاستواء فيهما قرره الأئمة الذين لم يُقْطِعُوها أحدًا، وإنما سُكْنَى من أسكن من قبل نفسه، قال: وظاهر قوله ﵊: "وهل ترك لنا عقيل من منزل؟ " يقتضي أن لا استواء بها، وإن كانت متملكة ممنوعة على النازلين، ثم قال: ومن الحجة لتملك أهلها: أن عمر ﵁ اشترى من صفوان بن أمية دار السجن بأربعة آلاف درهم، ويصح مع ذلك أن يكون
_________
١ الروض الأنف ٣/ ١٠٢.
1 / 46