وعند أبي ذر في روايته: أربعمائة دينار، وروي في بعض النسخ: المسجد بدل الحرام، وفي بعض النسخ: دار السجن بالإضافة وفتح السين، وروي أيضا: بالبيع، فالبيع بيعه ... انتهى.
نقلت هذه الروايات من خط بعض مشايخنا، وروينا ذلك متصلا في تاريخ الأزرقي، وأفاد فيه غير ما في البخاري، لأن الأزرقي قال فيما رويناه عنه: حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن فروخ، قال: إن نافع بن عبد الحارث ابتاع من صفوان بن أمية دار السجن -وهي دار أم وائل- لعمر بن الخطاب ﵁ بأربعة آلاف درهم، فإن رضي عمر ﵁ فالبيع له، وإن لم يرض عمر فلصفوان أربعمائة١ ... انتهى.
ونافع بن عبد الحارث -هذا- هو الخزاعي عامل عمر بن الخطاب على مكة، كان من كبار الصحابة وفضلائهم على ما ذكر ابن عبد البر٢، ولا يمتري في أنه لم يقدم على ما فعل إلا برضى أمير المؤمنين عمر بذلك وإذنه فيه، ومن المعلوم ضرورة أن أمير المؤمنين عمر ﵁ كان في العلم والورع بالمحل الأعلى، ولا ريب في أنه ومن ذكرنا من علماء الصحابة ﵃ أعلم ممن بعدهم بما يصلح في أرض مكة، وأنه لو كان عندهم علم عن النبي ﷺ بأنها أقرت للمسلمين لما أقدموا على ما فعلوا، ويبعد جدا أن يصح ذلك عن النبي ﷺ، ويخفى عليهم وعلى غيرهم من علماء الصحابة ﵃؛ فإنه لم يحفظ عن غيرهم أنه أنكر على أحد منهم ما فعل، ولو كان عندهم علم بخلاف ما فعل المشار إليهم لما سكتوا عن الإنكار عليهم.
وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ "من أكل من أجر بيوت مكة فإنما يأكل نارا" فقد اختلف في رفعه إلى النبي ﷺ ووقفه على عبد الله، والصحيح أنه موقوف عليه على ما ذكر الدارقطني٣، وعلى وقفه فلا حجة فيه على تحريم كرائها، وبتقدير رفعه فليس ذلك لعدم الملك، وإنما هو بحسب المكتسب، كما نهى ﷺ عن كسب الحجام.
وإنما كان الكراء فيها خبيثا، لما فيه من ترك مواساة المحتاجين من الحجاج بالسكنى، وقد قال السهيلي بوجوب السكنى بمكة للحجاج كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وأما حديث علقمة بن نضلة الكناني -ويقال الكندي-: "توفي رسول الله ﷺ وأبو بكر، وعمر، ﵄ وما تدعى رباع مكة إلا السوائب" هكذا عند ابن
_________
١ أخبار مكة للأزرقي ٢/ ١٦٥.
٢ الاستيعاب ٣/ ٥٣٩.
٣ سنن الدارقطني ١/ ٥٧ رقم "٢٢٦".
1 / 44