ثانيًا: ذكر حكم بيع دور مكة وإجارتها:
اختلف العلماء ﵏ في ذلك؛ فحكى الشيخ أبو جعفر الأبهري عن الإمام مالك -رحمة الله عليه: أنه كره بيعها وكراها؛ فإن بيعت أو أكريت لم يفسخ.
وقال اللخمي: اختلف قول مالك في كراء دور مكة وبيعها، فمنع من ذلك مرة، نقل ذلك عن الأبهري واللخمي: ابن رشد في "مقدماته"، وذكر أنه لم يختلف قول مالك وأصحابه في أن مكة افتتحت عنوة، وأنهم اختلفوا هل من بها على أهلها فلم تقسم لما عظم الله من حرمتها، أو أقرت للمسلمين، قال: وعلى هذا جاء الاختلاف في كراء بيوتها ... انتهى.
وجواز البيع والكراء في دور مكة ينبني على القول بالمن بها على أهلها، ومنع ذلك ينبني على القول بأنها أقرت للمسلمين، وفي هذا القول نظر؛ لأن غير واحد من علماء الصحابة وخلفائهم ﵃ اشترى دورا بمكة ووسع بها المسجد الحرام، وكذلك أمير المؤمنين عثمان بن عفان ﵁، وأمير المؤمنين عبد الله بن الزبير بن العوام ﵁ واشترى أمير المؤمنين معاوية ﵁ دار الندوة، ودار أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ﵂ بمكة، وغير ذلك من دورها، وكل ذلك منقول من تاريخ الأزرقي١، وبعضه في غيره، واشترى لعمر ﵁ عامله على مكة دارا للسجن بها على ما رويناه في صحيح البخاري؛ لأنه قال: باب الربط والحبس في الحرم، واشترى نافع بن عبد الحارث دارا للسجن بمكة من صفوان بن أمية على أن عمر ﵁ إن رفض.
وروى الأصيلي وأبو ذر: على أن عمر ﵁.
وروى القابسي: على إن رضي عمر فالبيع بيعه، وأن عمر ﵁ لم يرض فلصفوان أربعمائة درهم.
_________
١ أخبار مكة للأزرقي ٢/ ١٦٤.
1 / 43