قرر أن يخفف عن أعصابهما بشرب الكوكاكولا، مضى يراجع ما انتهي إليه فوجده طيبا لا بأس به، ثم قال متماديا في نشدان الأمان: وداد، اعتدنا المصارحة دائما، هل ساءك ضياع الثروة المتوقع؟
فتفكرت قليلا ثم قالت: يشغلني الآن هم أسرتي. - لم تجيبي على سؤالي. - الثروة نعمة، وحياتها عادة، لا أدري كيف أتخلص منها. ماذا عندك أنت؟! - أنا أيضا اعتدت مستوى لا تؤهلني له حقيقة أصلي، ومذ أدركت أني شخص فقير هيأت نفسي للحياة البسيطة. - زدني إيضاحا. - وداد، لم أرتح أبدا لولع أمي وعمي بالمال . - ممكن أن نحبه دون أن نعبده.
فهز رأسه في حزن ولاذ بالصمت، فقالت بنبرة دعابة لم تخل من فتور: أعلم أنك تحب سماع الموسيقى أكثر من اقتناء ثروة. - أتسخرين مني؟ - كلا، ولكن تردد في بيتنا الحزين أن الخطوة التالية المتوقعة من جدي هي أن يملكك ثروته بطريقة قانونية!
شعر للمرة الثانية بالاتهام الحائم حول أمه، فقال بشيء من الحدة: لو خيرت بين ثروته وبينك فلن أتردد في الاختيار.
فقالت بأسف: ستكون حياتنا متواضعة جدا.
فقال بعتاب: سيعوضنا الحب عن كل شيء!
فابتسمت ابتسامة خفيفة، وكان قرص الشمس يهبط وديعا أليفا في الشفق، وقد استلت منه روح الشباب الفائر.
4
تلقى من أمه خبرا بأن عمه يدعوه إلى مقابلته في الحديقة. قالت له بحرارة: تذكر أنه أبوك، وتذكر أنه لم يبق على امتحانك النهائي إلا ثلاثة أشهر، وأنك يجب أن تحافظ على صفاء ذهنك.
مضى إلى الرجل الذي عاش طفولته وصباه وهو يؤمن بأنه أبوه، ويحبه - وما زال - مثل أمه. لم يعرف الحقيقة إلا عندما اطلع على شهادة ميلاده لأول مرة، عندما نودي في المدرسة باسم يحيى عويس الدغل لا يحيى جندي الأعور. عند ذاك عرف أنه ابن رجل آخر لم يره، يدعى عويس الدغل، طلق أمه وهو طفل ثم هجرهما إلى حيث لا يدري. ولولا مجيء جندي الأعور وزواجه من أمه واحتضانه له لتعرض لمصير مجهول لا خير فيه. كانت لطمة أليمة ولا شك ولكن رعاية الرجل له أنسته ألمه وانكساره. وقد شب وعاش في النعيم كأنه ابن الرجل الطيب. فعليه أن يتذكر ذلك التاريخ الذي لا ينسى، كما يتذكر حبه.
نامعلوم صفحہ