الشاطئ ما زال خاليا. الرياح معتدلة مشبعة ببرودة ودودة آمنة. وفي أحضان العذوبة المنتشرة تراقصت الأمواج في رشاقة. لم يكن في كازينو جليم سوى العشاق. جلس يحيى ووداد في طرف الكازينو المطل على الخليج قبل الغروب بساعة. أول مرة ذلك العام غيرت وداد ملابس الشتاء فتجلى عودها الرشيق تحت البلوزة البيضاء الثرية والبنطلون الرمادي. جميلة ببشرتها القمحية وعينيها السوداوين وشفتيها المضمومتين، ولكنها جادة واجمة. لم تجمع بينهما جلسة كئيبة كهذه الجلسة من قبل. اختفى من عينيها المرح والدلال كما اختفت من عينيه الأشواق. جلسا جنبا لجنب وراء الترابيزة ينظران إلى البحر المنفسح بعينين لا تريان شيئا، وكانت تقول: أقمنا في شقة مفروشة، حياة لا يمكن أن تستمر طويلا، لا ندري شيئا عما يخبئه لنا الغد.
فانغمس في الشجن وهو يقول: لكن والدك اكتسب خبرة في الأعمال عندما كان يعمل في مكتب والده. - لا أعتقد أنه يتوفر له اليوم رأس مال كاف، ثم إن التهمة الظالمة ستطارده طويلا.
تنهد قائلا: حتى الآن لا أصدق ما وقع!
فقالت بإصرار: أبي ينكره وأنا أصدقه. - فما الحقيقة إذن؟ - لعله سوء تفاهم استغل أسوأ استغلال!
شعر بأن ثمة اتهاما يحوم حول أمه مثل ذبابة، فضاق صدره، ولكنه قال: أيكفي ذلك لاختلاق جريمة تفرق بين الأب وابنه الوحيد!
فقالت بامتعاض: المصائب تفوق الخيال!
وصمتا قليلا في حزن بالغ حتى قال يحيى: إذا كان للموضوع حقيقة خفية فلن تغيب طويلا، وسوف يوجد للموقف العسير حل، أما نحن فعلينا أن نركز في الواقع الذي يتحدانا.
فلم تدري ما تقول فواصل حديثه: ما بين يوم وليلة أصبح تلاقينا لا يتم إلا سرا، كأننا غريبان، هذا هو الواقع الذي علينا أن نتعاون على تحطيمه. - ولكنني لا أستطيع أن أنزع نفسي من مشكلتنا القائمة. - المأساة مأساتنا معا، سنفكر طويلا، لن نتركها ولن تتركنا، ولكن علينا قبل ذلك أن نتفق على الدفاع عن حبنا حتى الموت!
فقالت بصدق: حبنا في حرز حصين، لسنا أطفالا، ثم إنك ستختم دراستك بعد ثلاثة أشهر، وسوف ألحق بك بعد عامين، ولكن كيف نعيش في هذا الجو الخانق؟! - إنه يظل القصر أيضا، لا أحد يبتسم، وهو يهدد حبنا. - لسنا أطفالا، ولندع للزمن فرصته. - أود أن نسبق الزمن، أجل يجب أن أنتظر مهلة، ولكن لا مفر من مواجهة جدك، وعليك أنت أن تتصدي بشجاعة لأي عدوان يجيء من ناحية محروس بك أو شريفة هانم، ثم إنني في النهاية شخص غريب ليس إلا ابن زوجة جدك.
فقالت بإشفاق: إنك معدود ابنا له! - لا أنكر ذلك، ولكني لن أتخلى عنك أبدا.
نامعلوم صفحہ