كل زمن ، ولما وجب كونه مجتمعا أو مفترقا الآن وجب ذلك في كل زمن وفي كل مكان. فوجب لو جاز خلوه عنها في كل حال من الأحوال أن يجوز خلوه عنها الآن بأن يبقى على ما كان عليه من الخلو ، وهذا يوجب لو أخبرنا مخبر بأن في أقصى بلاد العالم جسما ليس بمجتمع ولا مفترق ولا متحرك ولا ساكن أن نصدقه ، والعلوم خلافه ، فثبت بهذا أن الجسم لا يخلو عن الأكوان في وقت من الأوقات.
** الدلالة على أن الجسم لا يخلو من الأكوان
وتحرير هذه الجملة هو أن الجسم لا بد من أن يكون متحيزا عند الوجود ، ولا يكون متحيزا إلا وهو كائن ، ولا يكون كائنا إلا بكون.
فإن قيل : لم قلتم إن الجسم يجب تحيزه عند الوجود؟ قلنا : لأن تحيزه لما هو عليه في ذاته بشرط الوجود.
فإن قيل : ولم قلتم ذلك؟ قيل له : لا يخلو ، إما أن يكون متحيزا لما هو عليه في ذاته على ما نقوله ، أو يكون متحيزا لمعنى ، أو بالفعل. لا يجوز أن يكون متحيزا لمعنى ، لأن ذلك المعنى لا يوجب تحيزه إلا إذا اختص به ، ولا يختص به إلا إذا حله ، ولا يحله إلا وهو متحيز. ولو لم يتحيز إلا إذا حله ذلك المعنى لوقف كل واحد من الأمرين على صاحبه وذلك محال. ولا يجوز أن يكون متحيزا بالفاعل ، وإلا كان يصح من الفاعل أن يوجد ذات الجوهر ولا يجعله متحيزا لأن هذا هو الواجب فيما يتعلق بالفاعل ، ألا ترى أن الوجود لما تعلق بالفاعل وقف عليه ، حتى أن شيئا أوجده وأن شيئا لم يوجده ، بل كان يصح منه أن يوجده فيجعله سوادا بدلا من تحيزه ، وأن يجمع بين هاتين الصفتين فيجعله سوادا متحيزا ، وذلك يقتضي أنه لو طرأ عليه ضد أن ينفيه من وجه دون وجه.
وأحد ما يدل على ذلك ، وهو أن كل جسمين إما أن يكون بينهما بون ومسافة أو لا يكون ، فإن كان بينهما بون ومسافة كانا مفترقين ، وإن لم يكن كانا مجتمعين. فقد صح أن الجسم لم ينفك من هذه المعاني.
وأحد ما يدل على ذلك ، هو أن الجسم لو خلا عن الاجتماع والافتراق لكان السابق إليه لا يخلو ، إما الاجتماع ، أو الافتراق.
صفحہ 68