وجب ذلك في هذه الأجسام لتحيزها ، والتحيز ثابت في الأجسام الغائبة ، فيجب أن يكون هذا الحكم ثابتا هناك.
** الرد على من اعترض على دعوى الاضطرار
فإن قيل : كيف تصح دعوى الاضطرار فيه مع أنكم استدللتم على ذلك بأدلة؟ فقلتم : إن الجسم لو حصل مجتمعا مع الوجوب لاستغنى عن جامع يجمعه ، كما أن عدم الصوت في الحالة الثانية لما وجب عدمه استغنى عن معدم يعدمه ، وكذلك وجوب القديم تعالى لما كان واجبا استغنى عن موجد يوجده ، والمعلوم أنه لا يستغني عن جامع يجمعه. وكذلك فقد قلتم : إن الأجسام لو حصلت مجتمعة مع الوجوب لكان يجب أن يتأتى من أضعف القادرين منا الجمع بين جبلين بأن يصادف وقتا يجب اجتماعهما فيه ، بل كان يجب أن يتعذر على أقوى القادرين منا التفريق بين ريشتين أو خردلتين بأن يصادف وقتا يجب اجتماعهما فيه ، والمعلوم خلافه. قلنا : إنما كان ذلك منا على طريق الاستظهار والتأكيد ، لا على طريق الاستدلال والاحتجاج.
فإن قيل : وما المراد بقولكم : والحال واحدة والشرط واحد؟ قلنا : المراد بالحال التحيز ، وبالشرط الوجود ، وذلك ثابت في الحالتين جميعا.
فإن قيل : ولم قلتم : إن الجسم إذا حصل مجتمعا في حال ، كان يجوز أن يبقى مفترقا والحال واحدة والشرط واحدة فلا بد من أمر ثان ومخصص؟
قيل له : إنما قلنا : ذلك لأننا نعلم ذلك بأدنى تأمل. وطريقة التأمل هو : أن الجسم إذا جازت عليه صفتان ثم خرجت إحداهما من الجواز إلى الوجوب ، والأخرى من الجواز إلى الاستحالة ، فلا بد من أمر ومخصص له ولمكانه خرجت إحداهما من الجواز إلى الوجوب والأخرى من الجواز إلى الاستحالة ، وإلا لم يكن بأن يحصل هكذا أولى من خلافه ، وليس ذلك الأمر إلا وجود معنى على ما نقوله. وليس للخصم أن يطالب بعد ذلك بلم ، لأنا قد أوردنا عليه طريقة النظر ، فإن شاء أن يعلم فلينظر فيه.
فإن قيل : ولم قلتم : إن ذلك الأمر ليس إلا وجود معنى؟ قلنا : إنه لا يخلو ، إما أن يكون راجعا إليه ، أو إلى صفاته ، أو إلى غيره ، لا يجوز أن يكون راجعا إليه وإلى صفاته ، وإذا كان راجعا إلى غيره فلا يخلو ، إما أن يكون تأثيره على طريقة التصحيح كتأثير الفاعل فيما يفعله ، أو يكون تأثيره على طريقة الوجوب. لا يجوز أن
صفحہ 57