وهذه الدلالة مبنية على أربع دعاوى :
أحدها ، أن في الأجسام معاني هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون ، والثانية ، أن هذه المعاني محدثة. والثالثة ، أن الجسم لم ينفك عنها ولم يتقدمها. والرابع ، أنها إذا لم ينفك عنها ولم يتقدمها وجب حدوثه مثلها.
ولهذه الدعاوى ترتيب ، فالأولى يجب أن تكون متقدمة ، والأخيرة يجب أن تكون متأخرة ، والدعويان اللتان هما في الوسط لا ترتيب فيهما. وإنما قلنا إن الأولى يجب تقديمها ، لأنها كلام في إثبات هذه المعاني وما لم نعلمها لا يمكننا وصفها لا بالحدوث ولا بالقدم ، كما أنا إذا لم نعلم زيدا لا يمكننا وصفه بأنه طويل ولا بأنه أسود. وأما الأخيرة فإنما وجب تأخيرها لأنها كلام في أن الجسم إذا لم ينفك من المحدث ولم يتقدمه وجب حدوثه مثله ، وما لم تثبت الدعاوى الثلاث من قبل لا معنى لهذا الكلام. وأما اللتان هما في الوسط فلا ترتيب فيهما ، لأنهما كلام في أوصاف هذه المعاني ، ومتى عرفناها إن شئنا وصفناها أولا بالحدوث ، وإن شئنا وصفناها بأن الجسم لم يخل منها.
فإن قيل : ولم سميتم هذه الوجوه دعاوى؟ قلنا : لأن الدعوى كل خبر لا يعلم صحته وفساده إلا بدليل ، وهذه حال كل واحدة من هذه الوجوه.
** الكلام في إثبات الأكوان
الغرض به الكلام في الدعوى الأولى من الدعاوى الأربع ، وهو الكلام في إثبات الأكوان التي هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون ، والخلاف فيه مع الأصم وجماعة من الملحدة.
وتحرير الدلالة على ذلك ، هو أن الجسم حصل مجتمعا في حال كان يجوز أن يبقى مفترقا والحال واحدة ، والشرط واحد ، فلا بد من أمر ومخصص له ولمكانه حصل مجتمعا ، وإلا لم يكن بأن يحصل على هذا الوجه أولى من خلافه ، وليس ذلك الأمر إلا وجود معنى.
فإن قيل : ومن أين أن هذا الجسم حصل مجتمعا في حال كان يجوز أن يكون مفترقا؟ قلنا : هذا الحكم معلوم ضرورة في الأجسام الحاضرة التي اختبرناها وسبرناها ، وأما في الأجسام الغائبة فيعلم بالرد إلى الأجسام الحاضرة. فنقول : إنما
صفحہ 56