** قصد الإحسان :
واعتبرنا أن يكون فاعلها قصد بها الإحسان إليه ، لأنه لو لم يقصد بها منفعته وكان مقصده منفعة نفسه لم يكن منعما. ألا ترى أن البزاز إذا قدم إلى غيره تختا من بز ليختار منه ما شاء ويأخذ منه الثمن فإنه لا يكون منعما عليه لما قصد بذلك نفع نفسه لا نفعه ، وكذلك فمن قطع الثياب الفاخرة لجواريه وغلمانه ليربح عليهم إذا باعهم ، لم يكن بذلك منعما عليهم ، لما كان غرضه بذلك نفع نفسه لا نفعهم ، وكذلك فمن أنفق على أولاده نفقة جميلة لسرور نفسه لم يكن بذلك منعما عليهم لما كان غرضه بذلك نفع نفسه ، وإن كان الغالب من حال الآباء أنهم إذا أنفقوا شيئا على أولادهم كان غرضهم نفع الأولاد ومسرتهم وما يثبت لهم من السرور يكون على وجه المتبع ، فلذلك يحكم بكونهم منعمين عليهم ، وكذلك فمن استأجر أجيرا ووفر عليه الأجرة لم يكن بذلك منعما عليه لما كان غرضه بذلك نفع نفسه ، ولا يلزم على هذا التكليف ، فيقال : كان يجب أن لا يكون الله تعالى منعما به علينا ، لأجل أن النفع يستحيل عليه جل وعز فلا يمكن أن يكون غرضه بذلك نفع نفسه ، وإنما غرضه بذلك تعريفنا إلى درجة لا تنال إلا بالتكليف ، فصح أنه لا بد من أن يكون قصد فاعلها بها وجه الإحسان إلى الغير.
** معنى المنفعة :
فإن قيل : قد فسرتم النعمة بالمنفعة ، فما معنى المنفعة؟ قيل له : معناه اللذة والسرور أو ما يؤدي إليهما أو إلى أحدهما.
أما اللذة فكأن يحك جرب أحدنا الغير ، أو يضع لقمة شهية في فمه ، أو يخلع عليه خلعة نفيسة ، فيكون قد أوصل إليه اللذة والسرور.
وأما ما يؤدي إليهما ، فكأن يدفع إليه دراهم أو دنانير يشتري بها ما يشاء.
أو ما يؤدي إلى أحدهما ، فكأن يدله على كنز فيكون قد فعل به ما يؤدي إلى السرور. ولهذه الجملة عددنا دفع الضرر في النفع وإن لم يكن نفعا بنفسه لما كان مؤديا إليه فقلنا : إن من استوهب إنسانا قدم للقتل وخلصه منه كان منعما عليه بذلك نافعا له. ولذلك حكمنا أيضا بكون الحياة نفعا وإن لم تكن نفعا بنفسها لكونها أصلا في المنافع ومؤدية إليها. هذا حد النعمة.
صفحہ 44