** معنى المنعم :
وأما المنعم ، فهو فاعل النعمة ، كالمكرم والمجمل والمحسن ، فلا يزاد في تفسيره على هذا لأنه اسم مشتق من النعمة ، كما أن المكرم والمحسن مشتق من الإكرام والإحسان ، والأسامي المشتقة لا يرجع في بيان فائدتها إلا إلى المشتق منه ، فلا يزاد في تفسير الضارب على أنه فاعل للضرب الذي اشتق منه ، وكذا القول في الشاتم والكاسر وغيرهما من الأسامي المشتقة.
وإذ قد عرفت ذلك ، فاعلم أن المنعم قد يكون منعما بفعله النعمة ومباشرته لها وذلك بأن يطعم جائعا أو يكسو عاريا ، أو بفعل ما يؤدي إلى ذلك. وقد يكون منعما وإن لم يصدر منه فعل أصلا كأن لا يطالب غريمه بالدين ، إما إبراء لذمته أو ترفيها عليه ، ونظير ذلك في الغائب عفو الله عن العصاة ، وإن لم يعاقبهم فإنه جل وعز لو عفا عنهم ولم يعاقبهم لكان منعما عليهم بذلك ، وإن لم يصدر منه فعل إليهم ، فصح وتقرر إذا ما أردناه.
** متى يستحق المنعم الشكر من المنعم عليه :
ثم سأل رحمه الله نفسه فقال : متى يستحق المنعم من المنعم عليه الشكر ، وأجاب : بأنه إنما يستحق الشكر من جهته إذا خلصت النعمة عن إساءة تقابلها أو توفي عليها وذلك ظاهر فإن من أعطى غيره دينارا أو فرق عليه ثوبا يساوي هذا القدر أو كساه ثوبا ثم قتل له ولدا فإنه لا يستحق من جهته شكرا إلا أن هذا كلام فيما يمنع الشكر من الاستقرار ، فأما الاستحقاق فثابت حالة النعمة ، اللهم إلا إذا جمع بين النعمة والإساءة فحينئذ كما تمنع الإساءة من استقرار الشكر على النعمة ، تمنع من استحقاقه أيضا.
** حقيقة الشكر
ثم تكلم بعد ذلك في حقيقة الشكر لما كان من حق النعمة أن يستحق الشكر ، وكان الترتيب الصحيح في ذلك أن يبين أولا حقيقة الشكر ، ثم يترتب الكلام في كيفية استحقاق المنعم له ، لكنه كذا أورده فتبعناه.
وجملة القول في ذلك أن الشكر هو الاعتراف بنعمة المنعم ، مع ضرب من التعظيم ولا بد من اعتبار الوصفين جميعا لأنه لو اعترف بنعمة المنعم ولم يعظم فقال :
صفحہ 45