مضرة محضة احتراز عن الآلام والأسقام التي يوصلها الله تعالى إلى الحيوانات ، فإنها لما كانت في مقابلتها الأعراض الموفية عليها لا تكون مضارا محضة.
ولا بد من أن تكون حسنة ، لأنها لو كانت قبيحة لما استحق عليها الشكر. والنعمة من حقها أن يستحق عليها الشكر. هذا هو الذي يقوله الشيخ أبو علي.
وقد خالفه فيه أبو هاشم ، وجوز في النعمة أن تكون قبيحة ، واستدل على ذلك ، بأن قال : إن الله تعالى لو أثاب من لم يستحق الثواب فإنه يكون منعما عليه مع أن ذلك قبيح ، وإنما قلنا إنه قبيح لأنه لا ينفك عن التعظيم ، والابتداء به قبيح. ألا ترى أنه يقبح من أحدنا أن يعظم أجنبيا على الحد الذي يعظم والديه لا لوجه سوى ما ذكرناه من أن الابتداء بالتعظيم قبيح ، وكذلك فإن أحدنا لو كان ملك الغير جميع ما يملكه حتى يفقر نفسه لكان منعما عليه بذلك مستحقا للشكر من جهته وإن كان ما فعله قبيحا لقوله عز وجل : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) [آل عمران : 161] إلا أن لأبي علي أن يقول إني لا أسلم أن ذلك نعمة ، لأن من حق النعمة أن يستحق عليها الشكر ، ولو فعله الله تعالى عن ذلك ، لم يستحق الشكر ، ولو استحق الشكر من المثاب فإنما يستحق لأن المثاب وصل إلى ذلك الثواب والنفع من جهته عز وجل ، وكذلك الكلام فيمن ملك الغير جميع ما يملكه أنه لا يستحق بذلك الذي فعله مدحا ولا شكرا ، ولو استحق الشكر من جهته إنما يستحق لأنه وصل إلى ما وصل إليه من المنافع من جهته وهذا غير مستبعد ، لأنه ليس يجب في المنعم أن يكون قد فعل شيئا فيستحق به الشكر لا محالة ، بل لا يمتنع استحقاقه للشكر وإن لم يكن منه فعلا أصلا. ألا ترى أن من اكتسب في جنب الغير ما لا يلزمه شكر ذلك الغير وإن لم يكن منه إليه فعل ينصرف هذا الشكر إليه. وكذلك فإن أحدنا إذا أمر غلامه بأن يدفع دراهم إلى الغير ، يكون منعما عليه ، مستحقا للشكر من جهته وإن لم يكن منه إليه فعل. وكذلك فمن لم يطالب غريمه بالدين كان منعما عليه مستحقا للشكر من جهته من غير فعل ينصرف إليه الشكر.
فعلم أن المنعم قد يكون منعما عليه مستحقا للشكر وإن لم يكن له فعل أصلا ، كما أن المخل بالواجب قد يكون مستحقا للذم وإن لم يكن منه فعل.
واعتبرنا أن تكون واصلة إلى الغير لأنه لو أوصلها إلى نفسه لا تكون نعمة لأن من حق النعمة أن يستحق عليها الشكر ، ومن المستبعد أن يستحق الإنسان من نفسه لنفسه الشكر.
صفحہ 43