232

شرح نهج البلاغة

شرح نهج البلاغة

ایڈیٹر

محمد عبد الكريم النمري

ناشر

دار الكتب العلمية

ایڈیشن نمبر

الأولى

اشاعت کا سال

1418 ہجری

پبلشر کا مقام

بيروت

ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا ، وسرا وإعلانا ، قلت لكم : اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم ، حتى شنت عليكم الغارات ، وملكت عليكم الأوطان . فهذا أخو غامد ، قد وردت خيله الأنبار ، وقد قتل حسان بن حسان البكري ، وأزال خيلكم عن مسالحها ، ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة ، فينتزع حجلها وقلبها ، وقلائدها ورعثها ، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام . ثم انصرفوا وافرين ، ما نال رجلا منهم كلم ، ولا أريق لهم دم ؛ فلو أن امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما ، بل كان به عندي جديرا ! فيا عجبا ؛ عجبا والله يميت القلب ، ويجلب الهم ، من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم ، وتفرقكم عن حقكم ! فقبحا لكم وترحا ، حين صرتم غرضا يرمى ، يغار عليكم ولا تغيرون ، وتغزون ولا تغزون ، ويعصى الله وترضون ! فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم : هذه حمارة القيظ ، أمهلنا يسبخ عنا الحر ، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم هذه صبارة القر ، أمهلنا ينسلخ عنا البرد ؛ كل هذا فرارا من الحر والقر ، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون ، فأنتم والله من السيف أفر ! يا أشباه الرجال ولا رجال ! حلوم الأطفال ، وعقول ربات الحجال ؛ لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة - والله - جرت ندما وأعقبت سدما . قاتلكم الله ! لقد ملأتم قلبي قيحا ، وشحنتم صدري غيظا ، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا ، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان ، حتى لقد قالت قريش : إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب لله أبوهم ! وهل أحد منهم أشد لها مراسا وأقدم فيها مقاما مني ! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ؛ وهأنذا قد ذرفت على الستين ! ولكن لا رأي لمن لا يطاع ! الشرح : هذه الخطبة من مشاهير خطبه عليه السلام ، قد ذكرها كثير من الناس ، ورواها أبو العباس المبرد في أول الكامل ، وأسقط من هذه الراوية ألفاظا وزاد فيها ألفاظا ، وقال في أولها : إنه انتهى إلى علي عليه السلام أن خيلا وردت الأنبار لمعاوية ، فقتلوا عاملا له يقال له : حسان بن حسان ، فخرج مغضبا يجر رداءه ، حتى أتى النخيلة ، واتبعه الناس ، فرقي رباوة من الأرض ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : أما بعد فغن الجهاد باب من أبواب الجنة ، فمن تركه رغبة عنه ، ألبسه الله الذل وسيما الخسف .

وقال في شرح ذلك : قوله : وسيما الخسف ، هكذا حدثونا به ، وأظنه سيم الخسف ، من قوله تعالى : ' يسومونكم سوء العذاب ' . وقال : فإن نصرنا ما سمعناه ، فسيما الخسف ، تأويله علامة الخسف ، قال الله تعالى : ' سيماهم في وجوههم ' ، وقال : ' يعرف المجرمون بسيماهم ' ، وسيما مقصور ؛ وفي معناه سيمياء ممدود ، قال الشاعر :

غلام رماه الله بالحسن يافعا . . . له سيمياء لا تشق على البصر

ونحن نقول : إن السماع الذي حكاه أبو العباس غير مرضي ، والصحيح ما تضمنه نهج البلاغة ، وهو سيم الخسف فعل ما لم يسم فاعله ، والخسف منصوب ؛ لأنه مفعول ، وتأويله : أولي الخسف وكلف إياه ، والخسف : الذل والمشقة .

وأيضا فإن في نهج البلاغة لا يمكن أن يكون إلا كما اخترناه ؛ لأنه بين أفعال متعددة بنيت للمفعول به ، وهي ديث وضرب وأديل ومنع ، ولا يمكن أن يكون ما بين هذه الأفعال معطوفا عليها إلا مثلها ، ولا يجوز أن يكون اسما .

وأما قوله عليه السلام : وهو لباس التقوى ، فهو لفظة مأخوذة من الكتاب العزيز ، قال الله سبحانه : ' قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ' .

والجنة : ما يجتن به ، أي يستتر ، كالدرع والحجفة .

وتركه رغبة عنه ، أي زهدا فيه ، ورغبت عن كذا ، ضد رغبت في كذا .

وديث بالصغار ، أي ذلل ، بعير مديث أي مذلل ؛ ومنه الديوث : الذي لا غيرة له ، كأنه قد ذلل حتى صار كذلك ، والصغار : الذل والضيم .

والقماء ؛ بالمد : مصدر قمؤ الرجل قماء وقماءة ، أي صار قميئا ، وهو الصغير الذليل ، فأما قمأ ، بفتح الميم فمعناه سمن ، ومصدره القمؤ والقموءة ، وروى الراوندي : وديث بالصغار والقما ، بالقصر ، وهو غير معروف .

صفحہ 46