شرح نهج البلاغة
شرح نهج البلاغة
ایڈیٹر
محمد عبد الكريم النمري
ناشر
دار الكتب العلمية
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
1418 ہجری
پبلشر کا مقام
بيروت
فدخل عليه فخبره بمجيئنا إليه ، ومقالتنا له ، فأذن لنا ، فدخلنا عليه ، فقال : ما هذا الخبر الذي جاءني به عنكم الوليد ؟ فقلنا : هذا خبر في الناس سائر ، فشمر للحرب ، وناهض الأعداء ، واهتبل الفرصة ، واغتنم الغرة ، فإنك لا تدري متى تقدر على عدوك على مثل حالهم التي هم عليها ، وأن تسير إلى عدوك أعز لك من أن يسيروا إليك . واعلم والله أنه لولا تفرق الناس عن صاحبك لقد نهض إليك . فقال لنا : ما أستغني عن رأيكم ومشورتكم ، ومتى أحتج إلى ذلك منكم أدعكم . إن هؤلاء الذي تذكرون تفرقهم على صاحبهم ، واختلاف أهوائهم ، لم يبلغ ذلك عندي بهم أن أكون أطمع في استئصالهم واجتياحهم ، وأن أسير إليهم مخاطرا بجندي ، لا أدري علي تكون الدائرة أم لي ! فإياكم واستبطائي ، فإني آخذ بهم في وجه هو أرفق بكم ، وأبلغ في هلكتهم . قد شننت عليهم الغارات من كل جانب ؛ فخيلي مرة بالجزيرة ، ومرة بالحجاز ، وقد فتح الله فيما بين ذلك مصر ، فأعز بفتحها ولينا ، وأذل به عدونا ، فأشراف أهل العراق لما يرون من حسن صنيع الله لنا ، يأتوننا على قلائصهم في كل الأيام ، وهذا مما يزيدكم الله به وينقصهم ، ويقويكم ويضعفهم ، ويعزكم ويذلهم ؛ فاصبروا ولا تعجلوا ، فإني لو رأيت فرصتي لاهتبلتها . فخرجنا من عنده ونحن نعرف الفضل فيما ذكر ، فجلسنا ناحية ، وبعث معاوية عند خروجنا من عنده إلى بسر بن أبي أرطأة ، فبعثه في ثلاثة آلاف ، وقال : سر حتى تمر بالمدينة ، فاطرد الناس ، وأخف من مررت به ، وانهب أموال كل من أصبت له مالا ؛ ممن لم يكن دخل في طاعتنا ؛ فإذا دخلت المدينة ، فأرهم أنك تريد أنفسهم ، وأخبرهم أنه لا براءة لهم عندك ولا عذر ، حتى إذا ظنوا أنك موقع بهمم فاكفف عنهم ، ثم سر حتى تدخل مكة ، ولا تعرض فيها لأحد ، وأرهب الناس عنك فيما بين المدينة ومكة ، واجعلها شردا ، حتى تأتي صنعاء والجند ، فإن لنا بهما شيعة ، وقد جاءني كتابهم .
فخرج بسر في ذلك البعث ، حتى أتى دير مروان ، فعرضهم فسقط منهم أربعمائة ، فمضى في ألفين وستمائة ، فقال الوليد بن عقبة : أشرنا على معاوية برأينا أن يسير إلى الكوفة ، فبعث الجيش إلى المدينة ، فمثلنا ومثله ، كما قال الأول : أريها السها وتريني القمر .
فبلغ ذلك معاوية ، فغضب وقال : والله لقد هممت بمساءة هذا الأحمق الذي لا يحسن التدبير ، ولا يدري سياسة الأمور . ثم كف عنه .
قلت : الوليد كان لشدة بغضه عليا عليه السلام القديم التالد ، لا يرى الأناة في حربه ، ولا يستصلح الغارات على أطراف بلاده ، ولا يشفي غيظه ولا يبرد حزازات قلبه ، إلا باستئصاله نفسه بالجيوش ، وتسييرها إلى دار ملكه ، وسرير خلافته ، وهي الكوفة ، وأن يكون معاوية بنفسه هو الذي يسير بالجيوش إليه ، ليكون ذلك أبلغ في هلاك علي عليه السلام ، واجتثاث أصل سلطانه . ومعاوية كان يرى غير هذا الرأي ، ويعلم أن السير بالجيش للقاء علي عليه السلام خطر عظيم ؛ فاقتضت المصلحة عنده وما يغلب على ظنه من حسن التدبير ، أن يثبت بمركزه بالشام في جمهور جيشه ، ويسرب الغارات على أعمال علي عليه السلام وبلاده ، فتجوس خلال الديار وتضعفها ؛ فإذا أضعفتها بيضة ملك علي عليه السلام ؛ لأن ضعف الأطراف يوجب ضعف البيضة ، وإذا أضعفت البيضة كان على بلوغ إرادته ، والمسير حينئذ - إن استصوب المسير - أقدر .
ولا يلام الوليد على ما في نفسه ؛ فإن عليا عليه السلام قتل أباه عقبة بن أبي معيط صبرا يوم بدر وسمي الفاسق بعد ذلك في القرآن ، لنزاع وقع بينه وبينه ، ثم جلده الحد في خلافة عثمان ، وعزله عن الكوفة ، وكان عاملها . وببعض هذا عند العرب أرباب الدين والتقى تستحل المحارم ، وتستباح الدماء ، ولا تبقى مراقبة في شفاء الغيظ لدين ولا لعقاب ولا لثواب ، فكيف الوليد المشتمل على الفسوق والفجور ، مجاهرا بذلك ! وكان المؤلفة قلوبهم ، مطعونا في نسبه ، مرميا بالإلحاد والزندقة .
قال إبراهيم بن هلال : روى عوانة عن الكلبي ولوط بن يحيى أن بسرا لما أسقط من أسقط من جيشه ، سار بمن تخلف معه ، وكانوا إذا وردوا ماء أخذوا إبل أهل ذلك الماء فركبوها ، وقادوا خيولهم حتى يردوا الماء الآخر ، فيردون تلك الإبل ، ويركبون إبل هؤلاء ، فلم يزل يصنع ذلك حتى قرب إلى المدينة .
صفحہ 6