وإن تأول ذلك بنزول رحمته أو غير ذلك، قيل: الرحمة التي تثبتها إما أن تكون عينً قائمة بنفسها، وإما أن تكون صفة قائمة في غيرها.
فإن كانت عينًا وقد نزلت إلى السماء الدنيا، لا يمكن أن تقول: من يدعوني فأستجيب له؟ كما لا يمكن الملك أن يقول ذلك.
وإن كانت صفة من الصفات، فهي لا تقوم بنفسها، بل لابد لها من محل. ثم لا يمكن الصفة أن تقول هذا الكلام ولا محلها. ثم إذا نزلت الرحمة إلى السماء الدنيا ولم تنزل إلينا، فأي منفعة لنا في ذلك؟
وإن قال: بل الرحمة ما ينزله على قلوب قوّام الليل في تلك الساعة، من حلاوة المناجاة والعبادة، وطيب الدعاء والمعرفة، وما يحصل في القلوب من مزيد المعرفة بالله والإيمان به وذكره وتجليه لقلوب أوليائه، فإن هذا أمر معروف يعرفه قوّام الليل، قيل له: حصول هذا في القلوب حق، لكن هذا ينزل إلى الأرض إلى قلوب عباده لا ينزل إلى السماء الدنيا، ولا يصعد بعد نزوله، وهذا الذي يوجد في القلوب يبقى بعد طلوع الفجر، لكن هذا النور والبركة والرحمة التي في القلوب، هي من آثار ما وصف به نفسه من نزوله بذاته ﷾.
كما وصف نفسه بالنزول عَشِيَّة عَرَفَة في عدة أحاديث صحيحة، وبعضها في صحيح مسلم عن عائشة ﵂ عن النبي ﷺ أنه قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وأنه ﷿ ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ "، وعن جابر بن عبد الله ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " إذا كان يوم عرفة أن الله ينزل إلى سماء الدنيا يباهي بأهل عرفة الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادي أتونى شُعْثًا غُبْرًا ضاحين من كل فَجّ عميق " [والشُّعْث: هو اغبرار الرأس، والغَبَرُ: هو التراب، والغُبْرة: لونه] . وعن أم سلمة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ:
1 / 38