لا يخلو منه مكان، كان هذا نظير كون العرش لا يخلو منه. فإن جوزت هذا، كان لخصمك أن يجوز هذا.
فقد لزمك على قولك ما يلزم منازعك، بل قولك أبعد عن المعقول؛ لأن نزول من هو فوق العالم أقرب إلى المعقول من نزول من هو حال في جميع العالم، فإن نزول هذا لا يعقل بحال، وما فررت منه من الحلول وقعت في نظيره، بل منازعك الذي يجوز أن يكون فوق العالم وهو أعظم عنده من العالم وينزل إلى العالم أشد تعظيمًا لله منك، ويقال له: هل يعقل موجودان قائمان بأنفسهما أحدهما محايث للآخر؟ فإن قال: لا، بطل قوله. وإن قال: نعم، قيل له: فليعقل أنه فوق العرش وأنه ينزل إلى السماء الدنيا ولا يخلو منه العرش، فإن هذا أقرب إلى العقل مما إذا قلت: إنه حال في العالم.
وإن قلت: إنه لا مباين للعالم ولا مداخل له. قيل لك: فهل يعقل موجودان قائمان بأنفسهما ليس أحدهما مباينًا للآخر ولا محايثًا له؟ فإن جمهور العقلاء يقولون: إن فساد هذا معلوم بالضرورة، فإذا قال: نعم يعقل ذلك، فيقال له: فإن جاز وجود موجود قائم بنفسه ليس هو مباينًا للعالم ولا محايثًا له، فوجود مباين للعالم ينزل إلى العالم ولا يخلو منه ما فوق العالم أقرب إلى المعقول؛ فإنك إن كنت لا تثبت من الوجود إلا ما تعقل له حقيقة في الخارج، فأنت لا تعقل في الخارج موجودين قائمين بأنفسهما ليس أحدهما داخلًا في الآخر ولا محايثًا له، وإن كنت تثبت ما لا تعقل حقيقته في الخارج، فوجود موجودين أحدهما مباين للآخر أقرب إلى المعقول، ونزول هذا من غير خلو ما فوق العرش منه أقرب إلى المعقول من كونه لا فوق العالم ولا داخل العالم، فإن حكمت بالقياس، فالقياس عليك لا لك، وإن لم تحكم به، لم يصح استدلالك على منازعك به.
وأما قول السائل: ليس هذا جوابي بل هو حَيْدَة عن الجواب، فيقال له: الجواب على وجهين: جواب معترض ناف لنزوله وعلوه، وجواب مثبت لنزوله وعلوه، وأنت لم تسأل سؤال مستفت، بل سألت سؤال معترض ناف. وقد تبين لك أن هذا الاعتراض ساقط لا ينفعك، فإنه سواء قيل: إنه يخلو منه العرش أو قيل: لا يخلو
1 / 34