نفيًا لما أثبته الرسول ﷺ، فخطأ منه، وإن كان استرشادًا، فحسن، وإن كان تجهيلًا للمسؤول، فهذا فيه تفصيل؛ فإن المثبت الذي لم يثبت إلا ما أثبته الرسول ﷺ ونفي علمه بالكيفية، فقوله سديد لا يرد عليه سؤاله، والمعترض الذي يعترض عليه بهذا السؤال، اعتراضه باطل؛ فإن ذلك لا يقدح في جواب المجيب.
وقول المسؤول: هذا قول مبتدع ورأى مخترع - حيدة منه عن الجواب - يدل على جهله بالجواب السديد، ولكن لا يدل هذا على أن نفي المعترض لما أخبر به الرسول حق، ولا على أن تأويله بنزول أمره ورحمته تأويل صحيح.
ومما يبين ذلك: أن هذا المعترض إما أن يقر بأن الله فوق العرش، وإما ألا يكون مقرًا بذلك. فإن لم يكن مقرًا بذلك، كان قوله: هل يخلو العرش منه أم لا يخلو؟ كلامًا باطلًا؛ لأن هذا التقسيم فرع ثبوت كونه على العرش، وإن قال المعترض: أنا ذكرت هذا التقسيم لأنفي نزوله وأنفي العلو؛ لأنه إن قال: يخلو منه العرش، لزم أن يخلو من استوائه على العرش وعلوه عليه، وألا يكون وقت النزول هو العلي الأعلى، بل يكون في جوف العالم والعالم محيط به. وإن قال: إن العرش لا يخلو منه، قيل له: فإذا لم يخل العرش منه لم يكن قد نزل، فإن نزوله بدون خلو العرش منه لا يعقل. فيقال لهذا المعترض: هذا الاعتراض باطل لا ينفعك؛ لأن الخالق ﷾ موجود بالضرورة والشرع والعقل والاتفاق، فهو إما أن يكون مباينًا للعالم فوقه، وإما أن يكون مداخلًا للعالم محايثًا، وإما أن يكون لا هذا ولا هذا.
فإن قلت: إنه محايث للعالم بطل قولك، فإنك إذا جوزت نزوله وهو بذاته في كل مكان، لم يمتنع عندك خلو ما فوق العرش منه، بل هو دائمًا خال منه. لأنه هناك ليس عندك شيء، ثم يقال لك: وهل يعقل مع هذا أن يكون في كل مكان وأنه مع هذا ينزل إلى السماء الدنيا؟ فإن قلت: نعم، قيل لك: فإذا نزل، هل يخلو منه بعض الأمكنة أو لا يخلو؟ فإن قلت: يخلو منه بعض الأمكنة، كان هذا نظير خلو العرش منه. فإن قلت:
1 / 33