منه العرش، ليس في ذلك ما يصحح قولك: إنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا قولك إنه بذاته في كل مكان. وإذا بطل هذان القولان تعين الثالث، وهو: أنه ﷾ فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه، وإذا كان كذلك، بطل قول المعترض.
هذا إن كان المعترض غير مقر بأنه فوق العرش، وقد سئل بعض أئمة نفاة العلو عن النزول، فقال: ينزل أمره. فقال له السائل: فممن ينزل؟ ما عندك فوق العالم شيء فممن ينزل الأمر؟ من العدم المحض! ! فبهت.
وإن كان المعترض من المثبتة للعلو، ويقول: إن الله فوق العرش، لكن لا يقر بنزوله، بل يقول بنزول ملك أو يقول بنزول أمره الذي هو مأمور به، وهو مخلوق من مخلوقاته؛ فيجعل النزول مفعولًا محدثًا يحدثه الله في السماء، كما يقال مثل ذلك في استوائه على العرش، فيقال له: هذا التقسيم يلزمك فإنك إن قلت: إذا نزل يخلو منه العرش، لزم المحذور الأول، وإن قلت: لا يخلو منه العرش، أثبت نزولًا مع عدم خلو العرش منه، وهذا لا يعقل على أصلك.
وإن قال: إنما أثبت ذلك في بعض مخلوقاته، قيل له: أي شيء أثبته مع عدم فعل اختياري يقوم بنفسه كان غير معقول من هذا الخطاب؛ لا يمكن أن يراد به أصلًا، مع تحريف الكلم عن مواضعه، فجمعت بين شيئين: بين أن ما أثبته لا يمكن أن يعقل من خطاب الرسول ﷺ، وبين أنك حرفت كلام الرسول ﷺ. فإن قلت: الذي ينزل ملك. قيل: هذا باطل من وجوه:
منها: أن الملائكة لا تزال تنزل بالليل والنهار إلى الأرض، كما قال تعالى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ﴾ [النحل: ٢]، وقال تعالى: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ [مريم: ٦٤] .
وفي الصحيحين: عن أبي هريرة وأبي سعيد ﵄ عن النبي ﷺ أنه قال: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يُصَلُّون، وتركناهم وهم يصلون".
وكذلك ثبت في الصحيح: عن
1 / 35