أن كل ما تقوم به الصفات فهو مركب من أجزاء، وهذا الاعتقاد باطل. بل الرب موصوف بالصفات، وليس جسمًا مركبًا لا من الجواهر المفردة ولا من المادة والصورة، كما يدعون، كما سنبينه إن شاء الله - تعالى - فلا يلزم من ثبوت الصفات لزوم ما ادعوه من المحال، بل غلطوا في هذا التلازم. وأما ما هو لازم لا ريب فيه، فذاك يجب إثباته لا يجوز نفيه عن الله - تعالى - فكان غلطهم باستعمال لفظ مجمل، وإحدى المقدمتين باطلة: إما الأولى وإما الثانية، كما سيأتي إن شاء الله - تعالى. وهذه قواعد مختصرة جامعة، وهي مبسوطة في مواضع أخرى.
فصل
إذا تبين هذا فقول السائل: كيف ينزل؟ بمنزلة قوله: كيف استوى؟ وقوله: كيف يسمع؟ وكيف يبصر؟ وكيف يعلم ويقدر؟ وكيف يخلق ويرزق؟ وقد تقدم الجواب عن مثل هذا السؤال من أئمة الإسلام مثل: مالك بن أنس، وشيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن؛ فإنه قد روى من غير وجه أن سائلًا سأل مالكًا عن قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]: كيف استوى؟ فأطرق مالك حتى علاه الرُّحَضَاء [أي: العرق] ثم قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا رجل سوء؛ ثم أمر به فأخرج.
ومثل هذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك، وقد روي هذا الجواب عن أم سلمة ﵂ موقوفًا ومرفوعًا، ولكن ليس إسناده مما يعتمد عليه، وهكذا سائر الأئمة، قولهم يوافق قول مالك: في أنا لا نعلم كيفية استوائه كما لا نعلم كيفية ذاته، ولكن نعلم المعنى الذي دل عليه الخطاب، فنعلم معنى الاستواء، ولا نعلم كيفيته، وكذلك نعلم معنى النزول، ولا نعلم كيفيته، ونعلم معنى السمع والبصر والعلم والقدرة، ولا نعلم كيفية ذلك، ونعلم معنى الرحمة والغضب والرضا والفرح والضحك، ولا نعلم كيفية ذلك.
وأما سؤال السائل: هل يخلو منه العرش أم لا يخلو منه؟ وإمساك المجيب عن هذا لعدم علمه بما يجيب به فإنه إمساك عن الجواب بما لم يعلم حقيقته، وسؤال السائل له عن هذا إن كان
1 / 32