عالمًا قادرًا، فإن المعتزلة مطبقة على إثبات أنه حي عالم قادر، وقيل له: أنت لا تعرف حيًا عالمًا قادرًا إلا جسمًا؛ فإذا جعلته حيًا عالمًا قادرًا، لزمك التجسيم والتشبيه. فإن زاد في التعطيل وقال: أنا لا أقول بقول المعتزلة، بل بقول الجهمية المحضة، والباطنية من الفلاسفة، والقرامطة فأنفي الأسماء مع الصفات، ولا أسميه حيًا ولا عالمًا ولا قادرًا ولا متكلمًا إلا مجازًا بمعنى السلب والإضافة، أي: هو ليس بجاهل ولا عاجز، وجعل غيره عالمًا قادرًا. قيل له: فيلزمك ذلك في كونه موجودًا واجبًا بنفسه قديمًا فاعلًا؛ فإن جهمًا قد قيل: إنه كان يثبت كونه فاعلًا قادرًا؛ لأن الإنسان عنده ليس بقادر ولا فاعل، فلا تشبيه عنده في ذلك. وإذا وصل إلى هذا المقام، فلابد له أن يقول بقول طائفة منهم، فيقول: أنا لا أصفه بصفة وجود ولا عدم، فلا أقول موجود ولا معدوم، أو لا موجود ولا غير موجود، بل أمسك عن النقيضين فلا أتكلم لا بنفي ولا إثبات.
وإما أن يقول: أنا لا أصفه قط بأمر ثبوتي بل بالسلبي؛ فلا أقول: موجود بل أقول: ليس بمعدوم.
وإما أن يقال: بل هو معدوم، فالقسمة حاصرة. فإنه إما أن يصفه بأمر ثبوتي فيلزمه ما ألزمه لغيره من التشبيه والتجسيم، وإما أن يقول: لا أصفه بالثبوت بل بسلب العدم، فلا أقول: موجود بل ليس بمعدوم.
وإما أن يلتزم التعطيل المحض فيقول: ما ثم وجود واجب؛ فإن قال بالأول وقال: لا أثبت واحدًا من النقيضين؛ لا الوجود ولا العدم. قيل: هب أنك تتكلم بذلك بلسانك، ولا تعتقد بقلبك واحدًا من الأمرين، بل تلتزم الإعراض عن معرفة الله وعبادته وذكره، فلا تذكره قط ولا تعبده ولا تدعوه ولا ترجوه ولا تخافه، فيكون جحدك له أعظم من جحد إبليس الذي اعترف به، فامتناعك من إثبات أحد النقيضين لا يستلزم رفع النقيضين في نفس الأمر؛ فإن النقيضين لا يمكن رفعهما، بل في نفس الأمر لابد أن يكون الشيء - أي شيء كان - إما موجودًا وإما معدومًا، إما أن يكون، وإما ألا يكون، وليس بين النفي والإثبات واسطة
1 / 26