قال ابن مسعود، وابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، وخلق من السلف: الصمد: الذي لا جوف له. وقال آخرون: هو السيد الذي كمل في سؤدده، وكلا القولين حق؛ فإن لفظ [الصمد] في اللغة يتناول هذا وهذا، والصمد في اللغة السيد، و[الصمد] أيضًا المصمد، والمصمد المصمت، وكلاهما معروف في اللغة.
ولهذا قال يحيى بن أبي كثير: الملائكة صمد، والآدميون جوف. وهذا أيضًا دليل آخر؛ فإنه إذا كانت الملائكة - وهم مخلوقون من النور كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة ﵂ عن النبي ﷺ أنه قال: " خُلِقَتِ الملائكةُ من نُور، وخُلِق الجان من نار، وخلق آدم مما وُصِف لكم " - فإذا كانوا مخلوقين من نور، وهم لا يأكلون ولا يشربون، بل هم صمد ليسوا جوفًا كالإنسان، وهم يتكلمون ويسمعون ويبصرون ويصعدون وينزلون كما ثبت ذلك بالنصوص الصحيحة، وهم مع ذلك لا تماثل صفاتهم وأفعالهم صفات الإنسان وفعله؛ فالخالق - تعالى - أعظم مباينة لمخلوقاته من مباينة الملائكة للآدميين؛ فإن كليهما مخلوق. والمخلوق أقرب إلى مشابهة المخلوق من المخلوق إلى الخالق ﷾.
وكذلك [روح ابن آدم]، تسمع وتبصر وتتكلم وتنزل وتصعد، كما ثبت ذلك بالنصوص الصحيحة، والمعقولات الصريحة، ومع ذلك فليست صفاتها وأفعالها كصفات البدن وأفعاله.
فإذا لم يجز أن يقال: إن صفات الروح وأفعالها مثل صفات الجسم الذي هو الجسد، وهي مقرونة به وهما جميعًا الإنسان، فإذا لم يكن روح الإنسان مماثلًا للجسم الذي هو بدنه، فكيف يجوز أن يجعل الرب ﵎ وصفاته وأفعاله مثل الجسم وصفاته وأفعاله؟ !
فإن أراد النافي التزام أصله؛ وقال: أنا أقول: ليس له كلام يقوم به، بل كلامه مخلوق، قيل له: فيلزمك في السمع والبصر، فإن البصريين من المعتزلة يثبتون الإدراك. فإن قال: أنا أقول بقول البغداديين منهم، فلا أثبت له سمعًا ولا بصرًا ولا كلامًا يقوم به، بل أقول كلامه مخلوق من مخلوقاته؛ لأن إثبات ذلك تجسيم وتشبيه، بل ولا أثبت له إرادة كما لا يثبتها البغداديون، بل أجعلها سلبًا أو إضافة فأقول: معنى كونه مريدًا أنه غير مغلوب ولا مكره، أو بمعنى كونه خالقًا وآمرًا. قيل له: فيلزمك ذلك في كونه حيًا
1 / 25