فما أخبرنا الله به من صفات المخلوقين نعلم تفسيره ومعناه، ونفهم الكلام الذي خوطبنا به، ونعلم معنى العسل واللحم واللبن، والحرير والذهب والفضة، ونفرق بين مسميات هذه الأسماء وأما حقائقها على ما هي عليه، فلا يمكن أن نعلمها نحن، ولا نعلم متي تكون الساعة؟ وتفصيل ما أعد الله ﷿ لعباده لا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، بل هذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله ﵎.
فإذا كان هذا في هذين المخلوقين، فالأمر بين الخالق والمخلوق أعظم؛ فإن مباينة الله لخلقه وعظمته، وكبريائه وفضله، أعظم وأكبر مما بين مخلوق ومخلوق.
فإذا كانت صفات ذلك المخلوق مع مشابهتها لصفات هذا المخلوق، بينهما من التفاضل والتباين ما لا نعلمه في الدنيا - ولا يمكن أن نعلمه، بل هو من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله ﵎ فصفات الخالق ﷿ أولى أن يكون بينها وبين صفات المخلوق من التباين والتفاضل ما لا يعلمه إلا الله ﵎ وأن يكون هذا من التأويل الذي لا يعلمه كل أحد؛ بل منه ما يعلمه الراسخون، ومنه ما يعلمه الأنبياء والملائكة، ومنه ما لا يعلمه إلا الله.
كما روي عن ابن عباس ﵁ أنه قال: إن التفسير على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله، من ادعى علمه فهو كاذب.
ولفظ [التأويل] في كلام السلف لا يراد به إلا التفسير، أو الحقيقة الموجودة في الخارج التي يئول إليها: كما في قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ الآية [الأعراف: ٥٣] .
وأما استعمال التأويل بمعنى: أنه صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به أو متأخر أو لمطلق الدليل، فهذا اصطلاح بعض المتأخرين، ولم يكن في لفظ أحد من السلف ما يراد منه بالتأويل هذا المعنى.
ثم لما شاع هذا بين المتأخرين، صاروا يظنون أن هذا هو التأويل في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ﴾ [آل عمران: ٧] .
ثم طائفة تقول: لا يعلمه إلا الله، وقالت طائفة: بل يعلمه الراسخون. وكلتا الطائفتين غالطة؛ فإن هذا لا حقيقة له، بل هو باطل، والله يعلم انتفاءه وأنه لم يرده. وهذا مثل تأويلات القرامطة الباطنية، والجهمية، وغيرهم من أهل الإلحاد والبدع. وتلك التأويلات باطلة والله لم يردها بكلامه،
1 / 22