وما لم يرده، لا نقول: إنه يعلم أنه مراده، فإن هذا كذب على الله ﷿ والراسخون في العلم لا يقولون على الله ﵎ الكذب، وإن كنا مع ذلك قد علمنا بطريق خبر الله ﷿ عن نفسه - بل وبطريق الاعتبار أن لله المثل الأعلى - أن الله يوصف بصفات الكمال: موصوف بالحياة، والعلم، والقدرة، وهذه صفات كمال. والخالق أحق بها من المخلوق، فيمتنع أن يتصف المخلوق بصفات الكمال دون الخالق.
ولولا أن هذه الأسماء والصفات تدل على معنى مشترك كلي، يقتضى من المواطأة والموافقة والمشابهة ما به تفهم وتثبت هذه المعاني لله، لم نكن قد عرفنا عن الله شيئًا، ولا صار في قلوبنا إيمان به، ولا علم، ولا معرفة، ولا محبة، ولا إرادة لعبادته ودعائه وسؤاله ومحبته وتعظيمه، فإن جميع هذه الأمور لا تكون إلا مع العلم، ولا يمكن العلم إلا بإثبات تلك المعاني، التي فيها من الموافقة والمواطأة ما به حصل لنا ما حصل من العلم لما غاب عن شهودنا.
ومن فهم هذه الحقائق الشريفة والقواعد الجليلة النافعة، حصل له من العلم والمعرفة والتحقيق والتوحيد والإيمان، وانجاب عنه من الشبه والضلال والحيرة ما يصير به في هذا الباب من أفضل الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، ومن سادة أهل العلم والإيمان، وتبين له أن القول في بعض [صفات الله] كالقول في سائرها، وأن القول في صفاته كالقول في ذاته، وأن من أثبت صفة دون صفة مما جاء به الرسول ﷺ مع مشاركة أحدهما الأخرى فيما به نفاها، كان متناقضًا.
فمن نفي النزول والاستواء، أو الرضى والغضب، أو العلم والقدرة، أو اسم العلىم أو القدير، أو اسم الموجود، فرارً بزعمه من تشبيه وتركيب وتجسيم، فإنه يلزمه فيما أثبته نظير ما ألزمه لغيره فيما نفاه هو وأثبت المثبت.
فكل ما يستدل به على نفي النزول والاستواء والرضى والغضب، يمكن منازعه أن يستدل بنظيره على نفي الإرادة، والسمع والبصر، والقدرة والعلم. وكل ما يستدل به على نفي القدرة والعلم والسمع والبصر، يمكن منازعه أن يستدل بنظيره على نفي العلىم والقدير، والسميع والبصير. وكل ما يستدل به على نفي هذه الأسماء، يمكن منازعه أن يستدل به على نفي الموجود والواجب.
1 / 23