الأرفاض لهَذَا السبب، وقالوا: تركت المقصُود الأعظم وَالمطلوب الأفخم، فأعد الكلام لتكُون على وجه التمَام، وَتوقف الَخطيبُ في ذلك المقام، فأشارَ شيخ الإسلام إليه أن يقرأ ما هو المسطور لَدَيه، لأن عَندَ الإكراه (١) لا جناحَ عَليه، فأبى عَن السبِّ وصمم عَلى اختيار العزيمة على الرخصة (٢) الذميمة، فنزلوُه وقتلوه وحَرقوه.
ثُمَّ لمَا جاءَ السلطَان إلى خراسَان، وطلبَ شيخ الإسلام وسائر أكابر الزمان، وأمرَ الشيخَ بالسبِّ في ذلك المكان، أمتنعَ عَنه رضاء للرحمةِ، فاعترضَ عَليه بأنَّك أمرتَ بِهِ الخطيب سَابقًا، فكيَفَ تخالف الأمر لاحقًا، فقالَ: «ذاكَ فتوى، وَهَذا كَمَا ترى تقوى، وَأيضًا ذلكَ الوُقت كانَ أيامَ الفتنة التامة، وَهجُوم الخلائق وَالعَامة، وَرأيت اليَوم في تَخت السّلطنة التي تجبُ عليك فيه العَدَالة، وَسماعَ مَا يتعَلق بِهَذِهِ المقَالَة، وَتَصحِيح مَا يكُون العَمل بِهِ أولى في هَذِهِ الحَالَة».
فسَألَهُ عَن كيفِيته وَتحقِيق مَاهِيته وكميته؟.
فقالَ له: «أفعلْ أحَد [هذين] (٣) الشيئين مِنْ الأمرَين الحسنين:
أولهما: أني اثبت لك أنَّ مذهب أهل السنة وَالجماعَة هو الحق وغيره هُوَ البَاطِل المطلق، وذلك بأني أظهر لكَ تصَانيفَ آبائكَ وَأجدَادكَ مِنْ المَشائخ الذين سَلَفوا في بلادكَ بخطُوطهم، وَتعمل بما في سُطوُرهم وفق مَا في صدوُرهم، وإنْ كانُوا الآن في قبورهم.
وَثانِيهما: أنَّكَ تنادي عُلماء مذهَبك [٦/ب] وفضلاء مشربك فتبَاحثت في مَجلسكَ، فمَنْ غَلب في الحجة نَقلًا وَعقلًا، فَيُتِبع فرعًا وأصلًا».
_________
(١) في (م): (الإكرام).
(٢) في (د): (الرفضة).
(٣) زيادة من (د).
1 / 43