ن نجوما آجر هذا البناء
وتسير القصيدة في الأندية والمحافل، وترددها الأفواه، ويرفعها نصراء المتنبي إلى قمة لم يصل إليها شعر شاعر، وينزل بها أعداؤه إلى وهدة ما لها من قرار، ومن العجب أن ما يستهجنه الأعداء هو بعينه ما يستجيده النصراء، وقف صالح بن مؤنس في جامع عمرو بين حشد من الطلبة وأخذ يصيح: اسمعوا أيها الطلاب، اسمعوا اسمعوا هذا الحديث الجديد في الشعر! وهذا الفتح المبين في عالم السخف! أسمعتم أيها الأنجاب بشمس منيرة سوداء؟ أسمعتم بمثل هذا التناقض، وبمثل هذا الخلف؟ شمس تضيء وهي سوداء، وليل يظلم وهو مضيء. أسمعتم برجل أعمى وهو يبصر؟ إن لم تكونوا قد سمعتم بشيء من هذا فاذهبوا واسألوا هذا الشاعر الدعي المتشدق، فإنه يقول ويخاطب مولانا:
تفضح الشمس كلما ذرت الشم
س بشمس منيرة سوداء
وهنا يقهقه بعض الطلاب ويصيح: هذا ابتداع جديد، لم تخلق له عقول مثل عقولنا!
ودخل صالح بن رشدين على أخته وكانت تنظر في رسالة من رسائل الغرام التي يبعث بها إليها أبو بكر بن صالح في كل يوم ملحا مستعطفا، فقذفت بها في تأفف وسخرية، ثم اتجهت إلى أخيها سائلة: ماذا في يدك يا أخي؟ - القصيدة الجديدة. لقد كان هذا اليوم نصرا مؤزرا لأبي الطيب يا عائشة. فقالت: في تطلع وشوق: كيف؟ - قصيدته في الدار الجديدة. - ليس عندي شك في أنها ستكون درة نادرة. - إن فيها بيتا لم يخفض جناحه لشاعر من قبل. أسمعت بمثل قوله وهو يخاطب كافورا:
تفضح الشمس كلما ذرت الشم
س بشمس منيرة سوداء - الرنين الرنين!! الرنين يا صالح!! - لا تقولي الرنين يا عائشة. قولي المعنى، قولي الخيال الغريب! أليس عجيبا أن يجرؤ شاعر على أن يطرق هذه الناحية الدقيقة المحفوفة بالمخاوف في مدح أسود؟ ولكن أبا الطيب طرقها غير هياب، وتحدى من قبله من الشعراء الذين أكثروا من تشبيه وجوه ممدوحيهم البيض بالشمس. فهو يقول إن كافورا يفضح الشمس كلما طلعت، بشمس منه من نوع جديد، هي شمس سوداء، ولكنها على سوادها تفوق شمس السماء في إنارة طريق الحق للضالين، وفي رفعة أوجها وبعد منزلتها. أرأيت شاعرا في القديم قال ما يشبه هذا؟ - لا يا أبا علي هذا خلق جديد. ثم أخذت منه الورقة، وجعلت تقرأ حتى بلغت آخرها، فقبضت على ذراع أخيها وهي تقول: اسمع يا صالح، إن الرجل بعيد المطامع، إنه يطلب من كافور شيئا عظيما فليت شعري ماذا يكون؟ ثم أخذت تقرأ:
يا رجاء العيون في كل أرض
لم يكن غير أن أراك رجائي
نامعلوم صفحہ