وغرهُ عُمر المرءِ قبل مشيبه ... وقد فنيتْ نفسٌ تولى شبابها
فدعْ عنكَ فضلاتِ الأمور فإنه ... حرامٌ على نفس الكريم ارتكابها
ومنْ يدقِ الدنيا فأنى طعمتها ... وسيق إلى عذبها وعذابها
وما هي إلا جيفةٌ مستحيلة ... عليها كلابٌ همهنَّ اجتذابها
قال بعض الحكماء إن من قنع كان غنيًا، وإن كان مقترًا، ومن لم يقنع كان فقيرًا، وإن كان مكثرًا، وقال بعض السلف من البلغاء، إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، وإذا طلبت العز، فاطليه بالطاعة، فمن أطاع الله (عز جلاله) نصره، ومن لزم القناعة زال فقره. قيل لبعضهم: صف لنا حال الأخ الصالح، فقال: يلقاني بوجه لا غني به عني، وأما إليه محتاج، وإن أذنبت غفر وكأنه المذنب، وإن أسأت أحسن وكأنه المسيء له بشر مقبول، ونائل مبذزل، وعفاف معروف وأذى مكفوف لبعضهم: [الطويل]
خبتْ نارُ نفسي إذا أضاءتْ مفارقي ... وبان شبابي حين لاحَ شبابها
فيا بومةً قد عششتِ فوق هامتي ... على الرغم منَّي حين طارَ غرابُها
عرفتِ طرَابَ العُمرِ منَي فررتني ... ومأواكِ منْ كلّ الديارِ خرابها
قال عمر لابن عباس ﵁: من ترى أوليه مص؟ قال: رجلًا صحيحًا منك صحيحًا لك، قال: فكن أنت ذلك الرجل، قال لا ينتفع بي مع سوء ظنك بي، ولا أنتفع بك مع ظني بك. قال بعض الحكماء من يرى من ثلاث نال ثلاثًا من يرى: [الطويل]
فطوبا لنفس لا رمتَ بابَ دارها ... مغلقةَ الأبوابِ مرخىً حجابها
وأدي زكاةَ الجاهِ واعلمْ بأنه ... كمثلِ زكاة المالٍ ثم نصابها
وأحسن إلى الأحرار تلمكَ رقابهم ... فخيرُ الخيارات الكرامُ اكتسابها
وما تخربُ الدنيا بموتِ شرارها=ولكن يموتُ الأكرمينَ خرابُها من يرى من الشر نال العز، ومن يرى من البخل نال الشرف، ومن يرى من الكبر نال الكرامة، قال معصب بن الزبير: التواضع مصائد الشرف، وفي منثور الحكم، من دام كتواضعه كثر صديقه. قال بعض الناس في الولاية رجلان، رجل يجل العمل ليفضله ومروءته، ورجل يجل بالعمل لنقصه ودنائته، فمن جل عن عمل ازداد تواضعًا وبشرًا، ومن جل عنه عمله لبس به تجبرًا وكبرًا، يروي النبي (صبى الله عليه وسلم) أنه قال: "إن الله اختار لكم الإسلام دينًا فأكرموه بحسن الخلق، والسخاء فإنه لا يكمل إلا بهما" قال الأحنف بن قيس: ألا أخبركم بأدواء الداء؟ قالوا بلى، قال: الخلق الرديء، واللسان البذيء.
قال بعض الحكماء الحسن الخلق من نفسه في راحة، والناس منه في سلامة، والسيء الخلق الناس منه في بلاء، وهو من نفسه في عناء، قال بعض الأدباء: عاشر أهلك بالمعروف، وبأحسن أخلاقك، فان الثواء فيهم قليل.
يروي عن النبي ﷺ أنه قال:"حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار" قال بعض الحكماء في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق، يقال إن ذلك العزل ثمرة نية الولاية. حكى حميد الطويل، وكان من الصلحاء، والتابعين عن عمار بن ياسر أنه عزل عن ولاية فاشتد عليه ذلك وقال: إني وجدتها حلوة الرضاع، مرة الفطام، ولبعض الشعراء: [الطويل] .
فإن تكنْ الدنيا أنالتكَ ثروةً ... فأصبحت ذا يسرٍ، وقد كنت ذا عسرِ
لقد كشفَ الإثراء منك خلائقًا ... من اللومِ كانتْ تحت ثوبٍ من الفقر
في معنى هذا أن قتيبة بن مسلم كتب إلى الحجاج: إن أهل الشام قد التاثوا علي فكتب إليه اقطع عنهم الأرزاق ففعل، فساءت أحوالهم، فاجتمعوا إليه وقالوا: أقلنا، فكتب إلى الحجاج بذلك الأكبر يذل به كل جبار تكبر، وقد روى عن النبي ﷺ أنه قال: "إنكم لن تسعوا بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجوه، وحسن الخلق" في معناه الشاعر: [المنسرح]
بني إنّ البشرَ شيءٌ هينُ ... وجهٌ طليقٌ وكلامٌ لينُ
قال عبد الله بن جعفر لا تستحي من القليل فإن البخل أقل منه، ولا تجبن عن الكثير فإنك أكثر منه، قال الشاعر:
اعملَ الخيرَ ما استطعتَ ... وإن كان يسيرًا فلن تحيطَ بكله
ومتى تفعل الكثيرَ من الخيرِ ... إذا كنتَ تاركًا لأقلهِ
روي عن النبي (صلى الله عيه وسلم) أنه قال:"إذا أراد الله بعبد خيرًا جعل ضايعه في أهل الحفاظ".
1 / 30