وفي منثور الحكم: لا خير في معروف، إلى غير عروق. وقال حسان بن ثابت: [الكامل]
إنّ الصنيعةَ لا تكونُ صنيعةً ... حتى يصابُ بها طريقُ المصنعِ
فإذا صنعتَ صنيعةً فاعمل بها ... للهِ أو لذي القاربةِ أودعِ
قال بعض الحكماء: على قدر المغارس يكون اختبار الفارس، وقد نظمه بعض الشعراء: [الطويل]
لعمركَ ما المعروفُ في غير أهلهِ ... وفي أهلهِ إلا كبعضٍ الودائع
فمستودعٌ ضاعَ الذي كانَ عندهُ=ومستودعٌ ما عنده غيرُ ضائعِ
وما الناس في شكر الصنيعةِ ... عندهم وفي كفرها إلا كبعض المزارعَ
روى عن النبي ﷺ أنه قال: "من أودع معروفًا فلينشره، وإن نشره، فقد شكره، وإنّ كتمه، فقد كفره".
روي عن عائشة ﵂ قالت: دخلت على رسول الله ﷺ وأنا أتمثل بهذين البيتين: [البسيط]
ارفعْ ضعيفَكَ لا يجزيكَ ضيعتهُ ... يومًا فتدركهُ العواقبُ قد نما
يجزيكَ أو يثني عليكَ وإنّ منْ ... أثنى عليكَ بما فعلتَ فقد جزا
فقال النبي (صلى الله عبيه وسلم): "ردي علي، قول اليهودي قاتله الله لقد أتاني جبريل برسالة من ربي: أيما رجل صنع إلى أخيه صنيعة، فلم يجد لها جزاء إلى الدعاء، والثناء، فقد كافأنا".
وقال عبد الحميد من لم يشكر الأنعام فأعدده من الأنعام. قال بعض البلغاء شكر الإله بطول الثناء وشكر الولاة بصدق الدعاء، وشكر النظير بحسن الجزاء، وشكر من دونك بسبب العطاء. وقال الشاعر:
فلو كان يشغلني عن الشكر منعمٌ ... لعزةِ ملكِ، أو علوًّ مكان
لما أمر الله العبادَ بشكرهِ ... فقال اشكروا لي أيها الثقلان
ولآخر [البسيط]
لأشكرنك معروفًا هممتَ بهِ ... إنّ اهتمامكَ بالمعروف معروف
ولا ألومكَ إن لم يمضهِ قدرٌ ... فالشيء بالقدرِ المحتومِ مصروفُ
قال بعض الحكماء: من شكرك على معروف لم تسده إليه فعاجله بالبر وإلا انعكس فصار ذمًا، وقد قال ابن الرومي: [الطويل]
وما الشكر إلا توائم الشكرِ في الفتى ... وبعضُ السجايا تنشئن إلى بعضِ
فحيث ترى حقدًا على ذي إساءةٍ ... فثمَّ ترى شكرًا على حسن القرضِ
إذا الأرضُ أدتْ ربعَ ما أنتَ زارعٌ ... من البذرِ فيها فهي ناهيكَ من أرضِ
قال النبي ﷺ: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس".
قال بعض الأدباء: من لم يشكر لمنعمه استحق قطع النعمة. قال المأمون: الناس على أربعة أقسام: زراعة فصناعة، وتجارة وإمارة، فمن خرج عنها كان كلًا عليها، قال النبي (صلى الله عيه وسلم): "خير المال عين ساهرة لعين راقدة".
وقال بعض السلف: خير المال عين خرارة في أرض خوارة في جفجرها القارة، تسهر إذا نمت، وتشهد إذ قمت، وتكون عمياء إذا مت. وقال النبي ﷺ: "التمسوا الرزق في خبايا الأرضي لجني الزرع".
حُكي عن المعتضد بالله أنه قال: رأيت عليًا ﵇ في المنام، فناولني مسحاةً وقال خذها فإنها مفاتيح خزائن الأرض. قال كسرى للموبد ما قيمة تاجي هذا؟ فأطرق الموبد ساعة، ثم قال: مطرة في نيسان تُصلح من معايش الرعية، ما يكون قيمته مقدار تاج الملك. يُروى عن النبي ﷺ أنه قال: "خير المال مأمورة، أو سكة مأثورة".
يعني بالمهرة المأمورة الكثيرة النسل.
ومن قوله تعالى: (أمرنا مترفيها) [الإسراء: ١٦] أي أكثرنا عددهم المأثورة النخلة المؤثرة للحمل. في التوراة مكتوب يا ابن آدم حدث سفرًا أحدث لك رزقًا. حكى أن الإسكندر لما أراد الخروج إلى أقاصي الأرض، قال لأرسطاطاليس أخرج معي، قال قد نحل جسمي وضعفت قواي عن الحركة، فلا تزعجني، قال: فما اصنع في عمال خاصة؟ قال من كان له عبيد فأحسن سياستهم فوله الجند، ومن كانت له ضيعة فأجاد تدبيرها فوله الخراج. قال النبي ﷺ أنه قال: "أوحى الله إلي [٦٢] كلمات قد دخلن أذني، ووقرن في قلبي: من أعطى فضل ماله فهو خير له، ومن أمسك فهو شر له، ولا تلم الله على كفاف".
وقال حميد بن معاوية بن جيدة للنبي ﷺ: "ما يكفيني من الدنيا"؟
1 / 31