قيل لسعيد بن المسيب: مات إبراهيم بن محمد بن طلحة، قال: كيف مات؟ قيل سقط قصره، فقال هيهات لا يموت مثله هكذا، فلما أخرج من الهدم وجدوه حيًا ما برجله كسر، فقيل لسعيد كيف قلت ما قلت؟ فقال: لأنه واصل للرحم، وواصل الرحم يوقى سيئه السوء.
يقال: إن القرابة تحتاج إلى المودة، والموجة لا تحتاج إلى القرابة، والود أعطف من الرحم. ذكر بعض الحكماء: أن غسل الوجه بالماء البارد عقب الخروج من الحمام يبقي طراوته مع كبر السن، أوحى الله تعالى إلى إبراهيم عيه السلام:_تدري لم اتخذتك خليلًا) . قال الحسن البصري: ما لا، (لأني رأيتك تحب أن تعطي، ولا تحب أن تأخذ وهذه صفتي، فاتخذتك خليلًا) . قال الحسن البصري: ما أنصفك من كلفك لحلاله ومنعك ماله؟ [الطويل]
إذا لم تكنْ نفسُ الشريفِ شريفةٌ ... وإنْ كانَ ذا قدرِ فليس له شرفُ
قال أكثم بن صيفي: السخاء حسن الفظنة، واللؤم سوء التغافل، ومن [٧٥] حسن الفطنة تبليغ التعريض. مت حكى عن بعض الأمراء أن رجلًا سايره، فقال له: ما أهزل برذونك، فقال له: أيها الأمير يده مع أيدينا فوصله بصلة سنية، اكتفى بهذه الإشارة، ومن ذلك ما حكى عبيد الله بن سليمان أنه لما تقلد الوزارة للمعتضد، كتب إليه عبد الله بت عبد الله بن طاهر. [الطويل]
أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا ... وأسعفنا، فمن نحبُ ونكرمُ
فقلتُ لهُ نعماكَ فيهم أتمها ... ودع أمرنا إن المهمَّ المقدمُ
فقال الوزير: ما أحسن ما شكا حاله من إضعاف مدحه، وقضى حاجته. قال بعض الحكماء: الضرورة توقح الضرورة يعني العاجز، وفي معناه: [الطويل]
ألا قبح الله الضرورةَ إنها ... تكلفُ أعلا الخلقَ أدنى الخلائقِ
وللهِ درُّ الاختيارِ فإنهُ ... يبينُ حدَّ السبقِ منْ غير سابقِ
قال الفضل بن سعيد لرجل سأله حاجة: أعدك اليوم، وأحبوك غدًا بالإنجاز، فتذوق حلاوة الأمل، وأتزين بثوب الوفاء. وروى النبي ﷺ أنه قال "لكل شيء ثمرة، وثمرة المعروف تعجيل السراح".
وقيل لأنوشروان: ما أعظم المصائب عندكم؟ فقال: أن تقدر على المعروف، فلا تصطنعه، حتى لا يفوت. وقال أبو عبد الحميد: من أضاع الفرصة وعن وقتها فليكن على ثقة من فوتها. روي عن النبي ﷺ أنه ذكر عنده رجل فذكر فيه خير، وقالوا: يا رسول الله صلى الله عليك وسلم: خرج معنا حاجًا فإذا نزلنا منزلًا لم يزل يصلي، حتى نرحل، فإذا ارتحلنا لم يزل يذكر الله سبحانه، حتى ننزل، قال: "فمن كان يكفيه علف ناقته وصنيع طعامه" قالوا: كلنا قال: "فكلكم خير منه".
كتب بعض ذوي الحاجات إلى عامل بلد في رعاية حرمته: [الكامل]
أعلى الصراطِ تريدُ تظهرُ حرمتي ... أن في الحسابِ تمنُّ بالأنعامِ
للنفعِ في الدنيا أريدك فانتبهْ ... الحيَّ أنجى من رقدة النوامِ
وكتب أبو علي البصير إلى بعض الوزراء، وقد اعتذر إليه بكثرة الأشغال:
لنَا كلُّ توبةٌ قدْ نتوبها ... وليسَ لنا رزقٌ، ولا عندنا شغلُ
فلا تعتذرْ بالشغلِ عنا فإنما ... تناطُ بكَ الآمالُ ما اتصلَ الشغلُ
قال بعض البلغاء المقادير الغالية لا تنال بالمغالبة، والأرزاق، لا تنال بالشدة، والمكالبة، فذلك للمقادير نفسك، واعلم بأنك غير نائل بالحرص إلا حظك، وقد قيل رب حظ أدركه غير طالبه، ودر أحرزه غير جالبه ودر حصله غير طالبه، لبعض الأدباء، وهو محمد بن حازم: [مجزوء الكامل]
يا أسيرَ الطمعِ الكا ... ذب في أسْر الهوانِ
إن عزَّ الناس خيرٌ ... لك منْ ذلك الأماني
سامح الدهرَ إذا أعزَّ ... وخذْ صفوَ الزمانِ
ربما أعدمَ ذو الحرْ ... صِ وأثرى ذو الثواني
قال بعض الحكماء: في تقلب الأحوال نتعرف جواهر الرجال، الكره يسهل بالمرون، قال في تأويل قوله تعالى: حياة طيبة، قال القناعة. وقال أكثم بن صيفي من باع الحرص بالقناعة ظفر بالغنى والثروة وقال بعض الشعراء: [الطويل]
إذا كنتَ ذا مالٍ ولم تكُ ذا ندىً ... فأنت إذن والمقترونَ سواءٌ
على أنَّ في الأموال يومًا تباعة ... على أهلها والمقترونَ براءُ
(وقال آخر): [الطويل]
إذا أسود وجه المرء وأبيض شعرهُ ... تنغصَّ من أيامه مستطابها
1 / 29