كان الخليفة السابع عشر من خلفاء بنى العباس، والسابع والثلاثين بعد النبى (عليه السلام)، أمه أم ولد شعب، ووزيره عباس بن الحسين الهاشمى، وقتل يوم السبت التاسع عشر من ربيع الأول سنة مائتين وست وتسعين، بأمر عبد الله بن المعتز، ومحمد بن جارود، وحسن بن حمدان، ووصيف بن سوارتكين، وأصبح المقتدر الذى لم يبلغ الحلم خليفة، وتناقص ملك خلفاء بغداد فى عصره، وخرج من يده ملك فارس وأصفهان، وثار ناصر الحق حسن بن على فى ديار الديلم وقتل، وأسند الوزارة إلى على بن محمد بن موسى يوم الأربعاء الرابع عشر من ذى الحجة سنة مائتين وست وتسعين، ووزر ثلاثة أعوام وتسعة أشهر ، ولما انتظمت الأحوال على مقتضى السياسة والكياسة، اختلف الأمراء وقامت الخصومة بينهم، وخلعوا المقتدر وأخرجوه من دار الخلافة وأهانوه، وحبسوه فى بيت يونس بن مظفر، وأحضروا محمد بن المعتضد إلى دار الخلافة وبايعوه ولقبوه بالقاهر بالله، وأصبح بازوك حاجبه، واستقدموا العظماء والأعيان؛ ليبايعوه فى يوم الاثنين السابع عشر من المحرم سنة مائتين وسبع وتسعين، وأثناء تلك الحال قدم جماعة من المشاة الحشم إلى باب الجوسق، وكانوا فى حوار مع بازوك، فطرحوا بازوك وأبا الهيجاء عن فرسهما وقتلوهما ورفعا رأسيهما على الرماح، وقدموا دار الخلافة وقهروا القاهر وأرسلوه لنفس المجلس، وأخرجوا المقتدر من قصر يونس وجددوا له البيعة، فأسند الوزارة إلى على بن مقلة، فعادت إلى الدولة هيبتها وسعد الحظ التعيس، وظهر للعالمين التقدير الإلهى والحكم الأزلى بقوله تعالى: تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء 61، فقد عزل الخليفة بلا سبب وجلس مكانه آخر، وعاد إليه الملك بلا سعى ولا اهتمام فى خلال ثلاثة أيام، وازدان عرش الخلافة به ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم 62.
حكاية:
قال أحد العظماء: فى اليوم الذى بايعوا فيه القاهر، مضيت إلى محمد بن جرير الطبرى، فسأل ما الخبر؟، قلت: إن الجيش بايع محمدا بن المعتضد، وقال: ومن سيكون وزيره؟، قلت: محمد بن داود الجراح، قال: ومن سيكون القاضى؟، قلت: حسن بن المثنى، فنكس رأسه مدة، ثم قال: هل انتهى هذا العمل؟، قلت: لما ذا؟، قال: يستحق هؤلاء الثلاثة هذا العمل؛ لأنهم جديرون به والزمن فى تدهور، ولا يمكن إسناد الأمر إلا لذى الكفاءة ونعطى العمل لمن يستحقه، ويقصر أهل الزمان عن هذه الرتبة، ولا يسلمون بإسناد الأمر إلى الأكفاء، وقد وقع ما قال، ولم يدم هذا العمل لهم أكثر من ثلاثة أيام حتى يعلم العقلاء أن فضل الفضلاء كان سبب يأسهم، وأن الزمان متحامل دائما على الفضلاء.
حينما يعين فضل الله
يصبح العبد الحقير ملكا
صفحہ 191