وأما الفهم والتمييز بالعقل؛ فقد يبطله شارب الخمر بشربه لخمره، فيزيل بذلك ما ركب فيه من لبه. ومن ذلك رقاد الراقد إذا رقد؛ لم يعلم ممن يدخل إليه أو يخرج عنه بأحد، والتبس عليه الليل والنهار، وعميت عنه بكليتها الأخبار، حتى ربما استرقد ليلا فلا يعلم حتى يهجم عليه النهار، وربما رقد نهارا فلا يعلم حتى يهجم عليه الظلام ويزول الإبصار.
فكيف يقول إن أحدا لا يقدر على جهل ما علم وعلم ما جهل بسبب يعلم، ولا بحيلة تفهم؟ ألا ترى أن السكران يعلم في حال سلامة عقله؛ بما يشينه وينقصه ويفضحه من عمله؟ حتى لو أعطي من يدعي المروءة منهم ورشي جزاء من الرشاء(1) عظيما حين سلامة لبه على أن يكشف له ثوبا، أو يبدي من نفسه عيوبا؛ لم يكن ليفعل، وإذا شرب وسكر لم يعلم له بسوآيه(2)، وجاءت وظهرت منه في نفسه ولها الفضيحة والنكاية، فهل ذلك إلا من جهله [بما كان يعلم](3)، وقلة معرفته في تلك الحال بما كان يعمل؟ أو ما رأى من علم علما، وروى رواية وحكما، من علم علماء، وحكم حكماء؟ بل من أحكم القرآن ، وتلا عن ظهر قلبه الفرقان؛ ثم ترك قراءته دهرا؛ فجهل ونسي ما علم منه طرا؟ أو ما رأى من كان دهره جاهلا، وعن كل خير وعلم غافلا، ثم انتبه لنفسه، وأنف من جهله؛ فتعلم فعلم، ونظر ففهم؟!
صفحہ 305