وعندما عادت ليانا إلى الحجرة نهض على مرفقيه، وقال - بصوت هائج: «أطفئي النار، وردي الجمر والرماد إلى التاجر! ارمي الحساء، ولكن ردي الريش وما تبقى من قطع اللحم إلى مكانها، فأنا أريد أن أسترد على الأقل نصف نقودي إن لم يكن كلها.»
وأخذ يجهش بالبكاء قائلا لنفسه: «أيها القاتل! ... أيها المجنون! أيها الوغد! أوما تشبع أبدا؟!» وتحجرت ليانا في موضعها دون أن ترفع عنه بصرها، وفي هذه اللحظة سمعت خلف الباب مواء قطتها، شريكتها في البؤس التي تقتسم معها الجوع والبرد، والكائن الوحيد الذي استطاعت أن تدلله وأن يعزيها.
وواربت ليانا الباب، فألقى الحاج نحوها نظرة مذعورة، وعندما رأى الحيوان ينزلق من فتحة الباب، صاح: «اقطعوا ذنبها! ... اقطعوا ذنبها! هذا الذنب الطويل، فهو الذي يحتاج إلى وقت طويل لكي يدخل الغرفة، فيدخل معه البرد، وفي وجودها نفقة أكثر! أين البلطة؟ أريد أن أقطعه لها بنفسي»! ونهض، فارتجفت ساقاه وانثنت ركبتاه، وأخذت جميع مفاصله تقرقع، وانثنى على نفسه، وأخذ يرمش بعينيه الجاحظتين ويفغر فاه واسعا، وسقط على ظهره، وذعرت ليانا وعدت إلى خارج المنزل وهي ترسم علامة الصليب.
وعندما هبط الليل أخذت ليانا ترقب خلف الباب، وهي ترتعد وقلبها يدق في قوة، وأرادت أن تدخل المنزل، ولكن الخوف من أن تجده ميتا أو مجنونا شلها عن الحركة، والريح تصفر في المزاريق، والجليد قد سد باب الدخول، والمدخل بارد مظلم.
وحول منتصف الليل أحست كأن بحجرة الحاج شخصا يسحب نفسه على أربع، فمدت أذنها سمعت في وضوح صوت قطع من النقود، فتمتمت قائلة: «إنه هو ... إنه لم يمت! فالنقود تمد في حياته ... مسكين يا عمي الحاج!»
وبعد أن هدأت قليلا أخذت تتحسس في الظلام حتى وجدت مقبض الباب، وفتحت دون أن تحدث صوتا وذهبت لتنام، وهي ترتفي في رف لعمها، قائلة: «آه المسكين! كم هو غني!»
وفي صباح اليوم التالي عندما دخلت حجرة الحاج وجدته في قميص النوم ... قميص بال ممزق، ووجهه نحو الأرض، وقد تمدد مغلق العينين فوق كومة من الذهب وهو مغطى بالذهب، واتخذ من كومة أخرى من القطع الذهبية وسادة.
وعندما رأته بنت أخته أخذت تبكي.
ولكن فيما يشبه المعجزة اهتز الحاج مرتجفا، فصلصلت قطع الذهب على طول جسمه من قدميه إلى جبهته، ورفع رأسه وفتح عينيه وأدار نحو ليانا نظرة خايبة، ثم تمتم بعبارات غير مفهومة ، وعض الهواء بأضراسه العارية، واستطاع أن يقول: لا تنظري ... اقفلي عينيك ... فالعينان أيضا تسرقان ... اقفلي عينيك.»
فتح فمه فانهار لسانه في حلقه، ومالت رأسه إلى ناحية وتصلبت ساقاه، وتشنجت يداه بين قطع الذهب، ونام إلى الأبد مفتوح العينين، ومحدقا في ليانا، وعندما غسلوه رأوا على ركبتيه وصدره وجبهته خاتم القطع الذهبية! ولكنه كان من الشاق إسدال جفنيه دون خلعهما، فإغلاق عينيه المذعورتين كان أمرا مستحيلا.
نامعلوم صفحہ