قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Izz al-Din ibn Abd al-Salam d. 660 AH
70

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

ناشر

مكتبة الكليات الأزهرية

پبلشر کا مقام

القاهرة

لِأَنَّ دَفْعَ الْحَاجَاتِ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ فِي النَّفَقَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَمْوَالِ الْمَصَالِحِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْعَدْلُ فِي اللُّغَةِ هُوَ التَّسْوِيَةُ، وَالْقَاضِي لَا يُسَوِّي بَيْنَ الْخُصُومِ فِي قَبُولِ قَوْلِهِمْ، بَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي إلَّا بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ وَظَّفَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَهَذَا تَفَاوُتٌ لَا تَسْوِيَةٌ فِيهِ. قُلْنَا مَعْنَى التَّسْوِيَةِ فِي الْحُكْمِ وَجَمِيعِ الْوِلَايَاتِ أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُدَّعِينَ فِي الْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ فِي تَوْظِيفِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِينَ، وَالْأَيْمَانُ عَلَى الْمُنْكِرِينَ، وَرَدُّ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُدَّعِينَ عِنْدَ نُكُولِ الْمُنْكِرِينَ. وَكَذَلِكَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ مَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْ الْمُدَّعِينَ فِيمَا وُظِّفَ عَلَيْهِمْ كَالْوَلِيِّ فِي الْقَسَامَةِ، وَالزَّوْجِ فِي اللِّعَانِ، وَالْأُمَنَاءِ فِي قَبُولِ قَوْلِهِمْ فِي التَّلَفِ، وَالْمُدَّعِينَ فِي قَبُولِ قَوْلِهِمْ فِي الرَّدِّ. وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ التَّسْوِيَةُ فِي الْأَحْكَامِ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْأَسْبَابِ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْعَدْلِ وَاجْتِنَابِ إيغَارِ الصُّدُورِ، يَجِبُ عَلَى الْحُكَّامِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْخُصُومِ فِي الْإِعْرَاضِ وَالْإِقْبَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّ تَقْدِيمَ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ مُوجِبٌ لِإِيغَارِ صَدْرِ الْآخَرِ وَحِقْدِهِ، وَلَا يَجْرِي ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى أَمْرِ نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ أَخَّرَتْهُ وَأَوْجَبَتْ بُغْضَهُ وَإِذْلَالَهُ، كَمَا يَظْهَرُ بِالْغُبَارِ وَإِظْهَارِ الصَّغَارِ، فَإِنْ قِيلَ لَوْ خَطَبَ إلَى الْوَلِيِّ إحْدَى ابْنَتَيْهِ فَهَلْ يَتَخَيَّرُ فِي تَزْوِيجِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ أَوْ يَبْدَأُ بِإِحْدَاهُمَا؟ قُلْنَا. إنْ تَسَاوَيَا فِي الصَّلَاحِ وَالتَّوَقَانِ إلَى النِّكَاحِ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا وَقَدْ يَقْرَعُ، وَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الصَّلَاحِ - وَاخْتَلَفَا فِي التَّوَقَانِ قَدَّمَ أَتُوقُهُمَا، وَإِنْ خَفَّ تَوَقَانُ الصَّالِحَةِ وَزَادَ تَوَقَانُ الطَّالِحَةِ فَفِي هَذَا نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ تَقْدِيمُ الطَّالِحَةِ دَرْءًا لِمَا يُتَوَقَّعُ مِنْ فُجُورِهَا. وَأَمَّا الصَّالِحَةُ فَيَزَعُهَا صَلَاحُهَا عَنْ الْفُجُورِ. وَقَدْ كَانَ ﷺ يُعْطِي الرَّجُلَ

1 / 72