قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Izz al-Din ibn Abd al-Salam d. 660 AH
69

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

ناشر

مكتبة الكليات الأزهرية

پبلشر کا مقام

القاهرة

لِهِنْدَ: «خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ»، وَلَمْ تَكُنْ هِنْدُ عَارِفَةً بِكَوْنِ الْمَعْرُوفِ مُدَّيْنِ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ وَمُدًّا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ وَمُدًّا وَنِصْفًا فِي حَقِّ الْمُتَوَسِّطِ، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ عَلَى أَنَّ الْكِسْوَةَ بِالْمَعْرُوفِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] . وَكَذَلِكَ السُّكْنَى وَمَاعُونُ الدَّارِ يَرْجِعُ فِيهَا إلَى الْعُرْفِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَالْغَالِبُ فِي كُلِّ مَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ إلَى الْمَعْرُوفِ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، وَأَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى مَا عُرِفَ فِي الشَّرْعِ، أَوْ إلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ، وَلَا فَائِدَةَ فِي تَقْدِيرِ الْحَبِّ فَإِنَّ مَا يُضَمُّ إلَيْهِ مِنْ مُؤْنَةِ إصْلَاحِهِ مَجْهُولٌ، وَالْمَجْهُولُ إذَا ضُمَّ إلَى الْمَعْلُومِ صَارَ الْجَمِيعُ مَجْهُولًا، وَلَمْ يُعْهَدْ فِي السَّلَفِ وَلَا فِي الْخَلَفِ أَنَّ أَحَدًا أَنْفَقَ الْحَبَّ عَلَى زَوْجَتِهِ مَعَ مُؤْنَتِهِ، بَلْ الْمَعْهُودُ مِنْهُمْ الْإِنْفَاقُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. وَاَلَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مُؤَدٍّ إلَى أَنْ يَمُوتَ كُلُّ وَاحِدٍ وَنَفَقَةُ زَوْجَتِهِ فِي ذِمَّتِهِ، لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَنْ الْحَبِّ الَّذِي أَوْجَبَهُ بِمَا يُطْعِمُهُ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ مِنْ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِمَا رِبًا لَا يَصِحُّ فِي الشَّرْعِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لَمْ يَبَرَّ مِنْ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَاقَدْ عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ، وَمَا بَلَغَنَا أَنَّ أَحَدًا أَطْعَمَ زَوْجَتَهُ عَلَى الْعَادَةِ ثُمَّ أَوْصَى بِأَنْ تُوَفَّى نَفَقَتَهَا حَبًّا مِنْ مَالِهِ، وَلَا حَكَمَ بِذَلِكَ حَاكِمٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَزْوَاجِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَتْ النَّفَقَةُ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِ الْبِضْعِ وَإِنَّمَا هِيَ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ، وَالْبِضْعُ مُقَابَلٌ بِالصَّدَاقِ فَتَكُونُ نَفَقَةُ الْمَرْأَةِ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى، فَإِنَّ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ رَقَبَتِهِ، وَالنَّفَقَةُ جَارِيَةٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْمِلْكِ. فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْعَدْلِ تَقْدِيرُ النَّفَقَاتِ بِالْحَاجَاتِ مَعَ تَفَاوُتِهَا عَدْلٌ وَتَسْوِيَةٌ، مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِمْ فِي دَفْعِ حَاجَاتِهِمْ لَا فِي مَقَادِيرِ مَا وَصَلَ إلَيْهِمْ

1 / 71