قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Izz al-Din ibn Abd al-Salam d. 660 AH
71

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

ناشر

مكتبة الكليات الأزهرية

پبلشر کا مقام

القاهرة

وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْهُ خِيفَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ، لِأَنَّ تُقَى الْمُتَّقِي يَزَعُهُ عَنْ الْعِصْيَانِ، وَفُجُورَ الْفَاجِرِ يُوقِعُهُ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. الْمِثَالُ السَّادِسَ عَشَرَ: مِنْ تَقْدِيمِ الْفَاضِلِ عَلَى الْمَفْضُولِ: إذَا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ أَحَدُهُمَا بَرٌّ تَقِيٌّ وَالْآخَرُ فَاجِرٌ شَقِيٌّ، قَدَّمَ إعْتَاقَ الْبَرِّ التَّقِيِّ عَلَى إعْتَاقِ الْفَاجِرِ الشَّقِيِّ، لِأَنَّ الْإِحْسَانَ إلَى الْأَبْرَارِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِحْسَانِ إلَى الْفُجَّارِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ قَرِيبًا وَالْآخَرُ أَجْنَبِيًّا، قَدَّمَ الْقَرِيبَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِاشْتِمَالِ عِتْقِهِ عَلَى مَصْلَحَةِ الْإِعْتَاقِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، فَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ فِي غَايَةِ الصَّلَاحِ فِي تَقْدِيمِ عِتْقِهِ عَلَى عِتْقِ الْقَرِيبِ الْفَاسِقِ نَظَرٌ. وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا لِلْإِعْتَاقِ فَلْيَشْتَرِ الْمَكْدُودَ وَالْمَجْهُودَ، فَإِنَّ إعْتَاقَهُ أَفْضَلُ مِنْ إعْتَاقِ الْمُرَفَّهِ لِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ عَنْهُ مِنْ ذُلِّ الرِّقِّ وَصُعُوبَةِ الْجَهْدِ وَالْكَدِّ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْفَعُهُ مِنْ مُجَرَّدِ ذُلِّ الرِّقِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِلْقِنْيَةِ لِيَدْفَعَ عَنْهُ الْكَدَّ وَالْجَهْدَ لَأُثِيبَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ رَفْعِ الْمَفْسَدَةِ عَنْ الْعَبْدِ. وَكَمْ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ الْخَيْرِ. الْمِثَالُ السَّابِعَ عَشَرَ: إذَا وَجَدَ مَنْ يَصُولُ عَلَى بِضْعٍ مُحَرَّمٍ، وَمَنْ يَصُولُ عَلَى عُضْوٍ مُحَرَّمٍ أَوْ نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ أَوْ مَالٍ مُحَرَّمٍ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ حِفْظِ الْبِضْعِ وَالْعُضْوِ وَالْمَالِ وَالنَّفْسِ، جَمَعَ بَيْنَ صَوْنِ النَّفْسِ وَالْعُضْوِ وَالْبِضْعِ وَالْمَالِ لِمَصَالِحِهَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا، قَدَّمَ الدَّفْعَ عَنْ النَّفْسِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْعُضْوِ، وَقَدَّمَ الدَّفْعَ عَنْ الْعُضْوِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْبِضْعِ وَقَدَّمَ الدَّفْعَ عَنْ الْبِضْعِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْمَالِ، وَقَدَّمَ الدَّفْعَ عَنْ الْمَالِ الْخَطِيرِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْمَالِ الْحَقِيرِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْخَطِيرِ غَنِيًّا وَصَاحِبُ الْحَقِيرِ فَقِيرًا لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَفِي هَذَا نَظَرٌ وَتَأَمُّلٌ، وَتَفَاوُتُ هَذِهِ الْمَصَالِحِ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الدَّفْعَ عَنْ الْعُضْوِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْبِضْعِ لِأَنَّ قَطْعَ الْعُضْوِ سَبَبٌ مُفْضٍ

1 / 73