فإذا جاء موضع الفقر تراه أنفا هاربا، مستكبرا عن الفقر، وإذا جاء موضع الرئاسة إن رد عليه كلامه بالسر سما وغضب، وتكبر وأنف، فإذا وعظ في ذلك قال: إنما أغضب لرد الحق، فيقال إن كان هو قد كابر الحق فانظر أنت لا تكون كابرت الله تعالى؛ فإن علامة صدقك تواضعك في الرد عليه ، لأنه إنما عليك البلاغ وعلى ربه الهداية، فإنما عليك البيان، فإذا بينت ولم يرزقه الله هداية فمالك غضبت وأنفت وتكبرت.
وإن مر في الطاعات تزين للمخلوقين، وراءى وتصلف، وإن أثنى عليه رجل بالخير الذي ليس فيه لم يفزع، بل يفرح على مدحه ، ويصافيه ويخا لله، وإن ذمه إنسان بما يراه في نفسه حزن على ذمه لا على نفسه، فعاداه وقاطعه، وقام بملاقاته، وترصد له يبتغي معاياته . كثير الكلام كثير الفضول، صاحب الشهوات والنعيم فرح مستبشر ، كأنه قد جاز الصراط وأعطي الخلاص.
وأما الصنف الآخر: فتركوا العيوب الظاهرة ثم فتشوا فوجدوا في الباطن أضعافا مضاعفة فقصدوا التطهير، وراضوا أنفهم فطهروها عن مثل هذه الأخلاق الدنية ، ونظروا إلى الأعمال الظاهرة التي عبدوا الله بها إنما من عليهم ربهم بها، فثقلت عليهم أثقال المنة؛ فانقطعوا وانكسروا ولم يبق لهم معتمد إلا خالقهم، وانتبهوا لهذه العيوب الباطنة التي تنقصهم عند الله تعالى، وأقبلوا على هذه النفس الأمارة بالسوء؛ فزجروها وراضوها حتى تركت هذه الأخلاق، وتطهرت من هذه الأقذار وتعلقت بالخالق؛ فأنسوا بالله، وسكنوا إلي
صفحہ 101