عند وعده بالرزق، وائتمنوه على أنفسهم؛ ففوضوا أمرهم إليه، وقطعوا القلوب عن كل شيء يشغلهم عن مولاهم، ورأوا أعظم منته عليهم: بالإسلام والإيمان، والقرآن، والرسول صلى. الله عليه وسلم، وإلى ما دعاهم إلى جواره وداره، فتهذبت أخلاقهم وصفت أسرارهم، وخشعت قلوبهم، وصاروا متواضعين لله، متواضعين لخلقه؛ لا يتكبرون عليهم و لا يصولون.
وهم مع ذلك يحذرون من الخلق كيلا يفسدوا عليهم أديانهم قلوبهم، فلا يخالطون إلا من ينتفعوا به من العلوم الظاهرة والأحكام الباطنة، فتراهم خائفين خاشعين، هينين لينين، خاضعين منقادين، آثار العبودية عليهم ظاهرة من الانكسار لعظمة مولاهم، وهم مع ذلك عزيزين ، عزهم في قلوبهم لاستغنائهم بربهم، وفي ألسنتهم عند إقامة دين مولاهم، فلم تزل المادة إليهم من ربهم واصلة، وعليهم من الله الرحمة دارة دائمة ، حتى قربت إليهم قلوبهم، وعرفهم نفسه فعرفوه وأحبوه، وعظموه وهابوه، وأنسوا به في الخلوات، ووثقوا به، وفوضوا إليه فعبدوه في أيام الدنيا كأنهم يرونه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعبد الله كأنك تراه، فقدموا على ربهم طاهرين مطهرين، مهذبين نازعين عن العيوب الظاهرة والباطنة، نفوسهم مطمئنة بخالقهم، قد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وقلوبهم مشغولة بحبه، متعلقة به، مشتاقة إليه، فأولئك خلفاء الله على عباده، وأولياؤه في أرضه.
صفحہ 102