ومعايشهم، وتقلبات أحوالهم، فسلموا إليه ملكه، ولم يدخلوا أنفسهم معه في تدبيره ، من الاهتمام في الماضي ، والتدبير في المستقبل، هو أجل وأعز في قلوبهم، لم يغيبوا عن ملاحظة تدبيره طرفة عين، وهم أذكى وأعلم من أن يجهلوا وينسوا تدبيره فيدبروا أنفسهم بكذا وكذا.
فلما لاحظوا ملكه وقهره وقبضته على الخلائق، وأسره لقلوبهم، فالقلوب بين أصبعين من اصابعه - سبحانه - يقلبها كيف يشاء، كما ورد في الحديث، فغلب هذا العلم على قلوبهم، ففقدوا شأن مشيئاتهم، فلم يجدوا لهم مشيئة مع مشيئته، بحيث يحتاجون إلى نفيها، غلب على قلوبهم العلم به وبتدبيره، بحيث صار واضحا كالنهار، وعرفوا أن التدبير من الجهل بالعلم بالله وتدبيره، فنفى العلم بالله عز وجل الجهل عن قلوبهم، فامحت المشيئات عن قلوبهم محوا، فنسوا نفوسهم ومصالحهم لما شاهدوا الأمر بتدبيره وفي قبضته، فصاروا بذلك عبيدا له، تقلبهم يد القدرة، ويدعوهم لسان الأزل، فصار أحدهم ابن وقته، لا ينظر وقتا آخر يدبر نفسه فيه، لأن الوقت الآخر بيد مؤقته، فهم أموات، تدبيرهم كتدبير أهل القبور ؛ هل ترى لهم حسا أو حركة ? فكذلك هم في التدبير، وأما في الأمر فأحياء أقوياء، يدبرون ويختارون، وبالله في عبادته يستعينون.
فإذا طلعت الشمس، وركعوا الركعتين، ينظرون ما تنشرح له صدورهم من الأعمال الصالحة، والأوراد، وسماع العلم، وغير ذلك، يقصدونه ناظرين إلى مولاهم الذي حركهم، مستعينين به أن يوفقهم لما يحبه، وعيونهم في كل لحظة شاخصة إلى ما يبرزه من مشيئاته عليهم ، المختلفة المتواترة ، التي ترد على العبد ، كالليل
صفحہ 74