والنهار، بغير اختيار منه ، فهم يقابلونها بمقتضاها من العبودية، ولا يتأذون ممن يؤذيهم، لأنهم يرون نواصيهم بيد مولاهم، فإن ابتلوا بالأذى فنوا ورضوا وصبروا، ودعوا برفعه، فهذا عبودية الوقت.
وإن أقامهم في طاعة وعبادة، أو رزقهم علما ينتفعون به، أو سخر لهم شيخا يرشدهم إلى نجاتهم، وطب أمراضهم، رأوه فضلا من مولاهم ، فشكروه عليه.
وإن أخذهم عبد من عبيد مولاهم إلى منزله ليطعمهم ، راحوا معه بشرط أن تتحمل قلوبهم المنة، ويشترط ألا يكون من أهل النفوس المنانين، فإن طعامهم سم القلوب، فأولئك يعتذرون إليهم باللطف والاعتذار، ويهجرون هجرا جميلا.
وأما المؤمنون الصالحون فيأكلون من طعامهم، ويكافئونهم بالدعاء، ويشكرون مولاهم، الذي أنعم عليهم بأن سخر لهم قلوب عباده، التي هي بيده، فهم قط لا يشهدون الوسائط، إلا بالقصد الثاني، ويشهدون الأول - سبحانه - بالقصد الأول، فكل منظور يدلهم عليه فيسبق نظرهم إليه، قبل الثواني والوسائط، بخلاف الأبرار، فإنهم يشهدون الوسائط بالقصد الأول، ويكابدون نفوسهم على رؤية الفاعل مكابدة ، وإن ابتلوا بمعصية من غير قصد رأوا حكمة مولاهم في ذلك أوقعهم في الذنب، ليريهم العجز ونقصهم ومحلهم ليتوبوا إليه، فيعاملهم ببره وحلمه وجوده، فيعبد بالتوبة، ويتصف بصفة الغفار والجود، فيجود عليهم بالمغفرة.
صفحہ 75