قلنا وما قولكم في حركة فلك زحل فإنها حركات المحيط وحركات فلك القمر حركات القطب فهما متساويان فيما لا يتناهى وحركات فلك زحل أضعاف حركات فلك القمر ولا جواب عنه.
فإن قيل ألستم أثبتم تفاوتا في معلولات الله تعالى وفي مقدوراته فإن العلم عندكم متعلق بالواجب والجايز والمستحيل والقدرة لا تتعلق إلا بالجايز فكانت المعلومات أكثر والمقدورات أقل والقلة والكثرة قد تطرقتا إلى النوعين وهما غير متناهيين.
والجواب قلنا نحن لم نثبت معلومات أو مقدورات هي أعداد بلا نهاية بل معنى قولنا أنها لا تتناهى أي العلم صفة صالحة يعلم به ما يصح أن يعلم والقدرة صفة صالحة يقدر بها على ما يصح أن يوجد ثم ما يصح أن يعلم وما يصح أن يقدر عليه لا يتناهى وليس ذلك عدد أنقص من عدد حتى يكون ذلك نقضا لما ذكرناه وإنما الممتنع عندنا أعداد يحصرها الوجود وهي غير متناهية فنقول قد بينا أن ما لا يتناهى إنما يمكن تصوره في الوهم والتقدير لا في الوجود كالعدد يقال له أنه لا ينتهي تضعيفا وليس نعني به أن العدد الغير متناه موجود محصور بل المعنى أنك إذا قدرت أو توهمت ضعفا فوق ضعف إلى ما لا يتناهى أمكنك ذلك كذلك المعلولات والمقدورات على التقدير الوهمي لا يتناهى ولصلاحية العلم أن يعلم به كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه يقال أن العلم لا يتناهى وكذلك لصلاحية القدرة أن يقدر بها على كل ما يصح أن يقدر عليه يقال إن القدرة لا تتناهى فلا القدرة ولا العلم أمر بسيط ذاهب في الجهات لا يتناهى ولا المعلومات والمقدورات أعداد كثيرة لا تتناهى وهكذا ينبغي أن تفهم من معنى قولنا ذات الباري سبحانه لا تتناهى أي هو واحد لا يقبل الانقسام بوجه من الوجوه فلا يتطرق إليه نهاية بوجه من الوجوه.
شبه الدهرية قالوا إذا قلتم أن العالم محدث بعد أن لم يكن فقد تأخر وجوده عن وجود الباري تعالى فلا يخلو إما أن يتأخر بمدة أو لا بمدة فإن تأخر لا بمدة فقد قارن وجوده وجود الباري سبحانه وإن تأخر بمدة فلا يخلو إما إن تأخر بمدة متناهية أو بمدة غير متناهية فإن تأخر بمدة متناهية فقد وجب تناهي وجود الباري تعالى وإن تأخر بمدة غير متناهية فنفرض في تلك المدة موجودات لا تتناهى فإنه إن لم يمتنع مدة لا تتناهى لم يمتنع لم يمتنع عدة لا تتناهى.
والجواب قلنا هذا الكلام غير مستقيم وضعا وتقسيما أما الوضع فقولكم لو كان العالم محدثا كان وجوده متأخرا فإن عنيتم به التأخر بالزمان فغير مسلم فإنا قد بينا أن التقدم والتأخر والمعية الزمانية تمتنع في حق الباري سبحانه.
وعلى هذا لم يصح بنا التقسيم عليه أنه متأخر بمدة أو لا بمدة فإن ما لا يقبل المدة ذاتا ووجودا لا يقال له تقدم أو تأخر أو قارن بمدة أو لا بمدة فأحلتم علينا تقدما وتأخرا ومعية زمانية للباري تعالى وإذا منعنا ذلك ألزمتم علينا مقارنة في الوجود وذلك تلبيس فإنا إذا منعنا التقدم والتأخر الزماني منعنا المقارنة الزمانية بل وجود الباري تعالى لا يقال متقدم بالزمان كما لا يقال أيضا فوق بالمكان ولا يقال مقارن بالزمان كما لا يقال مجاور للعالم بالمكان وإن عنيتم بالتأخر في الوجود أي الموجد مفيد الوجود والموجد مستفيد الوجود والموجد لا أول لوجوده والموجد له أول فهو مسلم ولا يصح أيضا بنا التقسيم عليه أنه تأخر بمدة أو لا بمدة.
فإن قيل لا بد من نسبة ما بين الموجد والموجد وإذا تحققت النسبة فبمدة متناهية أو غير متناهية.
قلنا ولا بد من نفي النسبة بين الموجد والموجد إذ لو تحققت النسبة بمدة متناهية أو غير متناهية كان وجوده زمانيا قابلا للتغير والحركة أليس لو قال القائل ما نسبة واحد منا حيث حدث وله أول كان السؤال محالا أليس لو قال القايل ما نسبة العالم منه تعالى حيث وجد وله نهاية أفيباينه أو يجاوره فإن باينه أفبخلا أو بينونة تتناهى أم لا تتناهى كان السؤال محالا كذلك نقول في المدة فإن الجزئي كالكلي والزمان كالمكان.
صفحہ 11