قيل له جوابك عن هذا الفرق من وجهين أحدهما أنك فرضت النقطة في الجسم والامتداد إلى ما لا يتناهى بالوهم وقدرت التطبيق أيضا بالوهم فقدر وهما أن الحركات الماضية كأنها موجودة متعاقبة والأزمنة أيضا كأنها موجودة وهما متعاقبة على مثال خط موهوم لا يتناهى تركب من نقط متتالية والحدود في الحركات والأوقات في الأزمنة كالنقط في الخطوط والتعاقب كالتتالي والعلة التي لأجلها امتنع اللاتتناهي ووجب أن تتناهى فهو أنه مود إلى أنه يكون الأقل مثل الأكثر والناقص مثل الزايد وهذا موجود في الموضعين جميعا ولذلك قال المتكلم أنا إذا فرضنا الكلام في اليوم الذي نحن فيه وقلنا ما مضى من الأيام غير متناه عندكم وما بقي أيضا غير متناه والباقي والماضي متساويان متماثلان في عدم التناهي فلو فصلنا من الماضي سنة وأضفناها إلى الباقي صار الماضي ناقصا والباقي زايدا وهما متماثلان في نفي التناهي أدى ذلك إلى أن يكون الزايد مثل الناقص.
الوجه الثاني أنه لو لم يتحقق في الحركات والأشخاص ترتيب وضعي فقد تحقق فيها ترتيب طبيعي كالعلل والمعلولات فإنها لا بد أن تكون متناهية بالاتفاق وذلك أن كل معلول فهو ممكن الوجود بذاته وإنما يجب وجوده بعلته فيتوقف وجوده على وجود علته والكلام في علته كذلك حتى يتناهى إلى علة أولى ليست ممكنة لذاتها كذلك نسبة كل والد إلى مولود نسبة العلة إلى معلولها فيتوقف وجود الولد على وجود الوالد وكذلك القول في الوالد فهلا قلت ينتهي إلى والد أول ومع ذلك فالأشخاص عندكم لا تتناهى ثم يعدد لكل شخص إنساني قد وجد نفس ناطقة وهي باقية مجتمعة في الوجود فالأشخاص إذا كانت لا تتناهى وجاز وجودها لأنها متعاقبة لا مجتمعة معا في الوجود فما قولك في النفوس فإنها مجتمعة وهي لا تتناهى فإن قال ليس لها ترتيب طبيعي ولا وضعي قيل إذا ترتبت الأشخاص والدا ومولودا ترتبت النفوس أيضا ذلك الترتيب لأن من العوارض واللوازم المعينة للنفوس كونها بحيث إن صدرت عن أشخاصها أشخاص فهذه النسبة باقية ببقائها ولذلك النوع ترتيب.
برهان آخر في أن ما لا يتناهى من الحوادث والحركات لا يتحقق في الوجود: وذلك أنا نفرض الكلام في الدورة التي نحن فيها ولا شك أن ما مضى قد انتهى بها وما انتهى بشيء فقد تناهى ومعنى قولنا أن ما مضى قد انتهى أنا إذا أردنا قصر النظر على ما نحن فيه وقطعناه عما سيأتي اقتضى ذلك تناهي الحركات الماضية إذ يتناهى الحركات الماضية لم يكن مشروطا فيها لحوق الحركات الآتية فما من حركة توجد وتعدم إلا وقد انقضت حركات قبلها بلا نهاية فيوجد أبدا طرف منها متناهيا ويكون ذلك الطرف آخر الماضي وأولا لما بقي فكل حركة أو كل دورة فقد تحقق لها أول وآخر وإذا تناهى من طرف فقد تناهى من الطرف الثاني فالحركات كلها إذا في ذواتها متناهية أولا وآخرا وهي معدودة بالزمان والزمان هو العاد للحركات فالمعدود إذا يتناهى أولا وآخرا كذلك يلزم أن يتناهى العاد أولا وآخرا يبقى أن يقال أهي متناهية عددا أم لا قلنا وكل عدد موجود فهو قابل للزيادة والنقصان والأكثر والأقل فهو متناه وكل عدد موجود فهو متناه وهذا الحكم يجري في كل عدد موجود معا كالنفوس الإنسانية أو متعاقبة كالأشخاص الإنسانية وعندهم النفوس غير متناهية عددا وهي قابلة للزيادة والنقصان فإذا طبقت الأشخاص على النفوس تساوت لا محالة وإن نقصت من الأشخاص عددا وطبقت الباقي على عدد النفوس فإن كان كل واحد منهما لا يتناهى كان الزائد مثل الناقص وإن كان يتناهى فقد حصل المقصود وتطبيق الخط على الخط كتطبيق العدد على العدد وتطبيق النفس على الشخص والحركات والمتحركات إذا تناهت ذاتا وزمانا ومكانا وعددا وهذا قاطع لا جواب عنه ولا سؤال عليه.
ومن جملة الإلزامات على الدهرية أن حركات زحل وهو في الفلك السابع مثل حركات القمر وهو في الفلك الأول من حيث أن كل واحد من النوعين غير متناه ومعلوم بالضرورة أن حركات زحل أكثر من حركات القمر فهي إذا مثلها وأكثر منها وذلك من أمحل المحال وأبلغ في التناقض.
فإن قيل إن قصرت مسافة فلك القمر عن فلك زحل فقد طال زمان القمر بمقدار قصر المسافة حتى قطع القمر فلكه بمثل ما قطع زحل فلكه فقد تساويا في الحركة.
صفحہ 10