لم يكن متواترًا بشرطه، كما قال ابن الصلاح: لا يفيد في ذلك، لأن اليقين إنما ينشأ عن العلم الضروري، إذ هو الذي لا يقبل التغيير ولا يزول بالترديد، ولا كذلك ما يفيد العلم النظري. على أن في موافقة ابن الصلاح على ذلك خلافًا طويل الذيل (١).
وإنما أعاده ابن الزبير ﵄ وأدخله فيه لعله لأنه كان متواترًا عنده وعند الصحابة ﵃ في عصره، والمتواتر يفيد العلم اليقين، وانقطع التواتر فيه بعد، ولهذا نص الأئمة على منع إدخال شيء من الحجر فيه، وإن ورد في "صحيح مسلم": أن أذرعًا منه من البيت (٢).
_________
(١) عبارة ابن الصلاح في "المقدمة": ما أخرجه الشيخان مقطوع بصحته، والعلم القطعي النظري واقع به، خلافًا لمن نفى ذلك محتجًا بأنه لا يفيد إلَّا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول، لأنه يجب العمل بغلبة الظن، والظن قد يخطئ. وقد كنت أميل إلى هذا وأظنه قويًّا، ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولًا هو الصحيح، لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ، انتهى.
وقد رد هذا القول الإمام النووي في "التقريب" بقوله: ما ذكره ابن الصلاح خلاف ما قاله المحققون والأكثرون، فإنهم قالوا: أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة إنما تفيد الظن فإنها آحاد، ثم قال: وتلقي الأمة إنما أفاد وجوب العمل بما فيهما من غير توقف على النظر فيه، بخلاف غيرهما، فلا يعمل بما فيهما من غير توقف على النظر فيه. وينظر: "ظفر الأماني"، للإمام محمَّد عبد الحي اللكنوي ص ١٢٧ وما بعدها، وما قبلها، بتحقيق العلامة المحدث سيدي الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى.
(٢) إنما قال: (أذرعا ...) لأن الحجر مختلف في قياسه، وعبارة الإِمام النووي في "الإيضاح": (واختلف أصحابنا في الحجر، فذهب كثيرون إلى أن ستة أذرع منه من البيت، وما زاد ليس من البيت حتى لو اقتحم جدار الحجر ودخل منه وخلف بينه وبين البيت ستة أذرع صح طوافه، وبعضهم يقول سبع أذرع، وبهذا المذهب قال الشيخ أبو محمَّد الجويني من أئمة أصحابنا وولده إمام الحرمين والبغوي، وزعم الإِمام أبو القاسم الرافعي أنه الصحيح، ودليل هذا المذهب ما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة ﵂ عن رسول الله ﷺ قال: "ستة أذرع من الحجر من البيت"، =
1 / 79