أبو نصر هبة الله بن الحسين أحد علماء الإمامية بحجية القياس، وتبعه على ذلك جماعة منهم، وقد ثبت ذلك في كتبهم أيضا بطرق صحيحة.
فمن ذلك ما روى أبو جعفر الطوسي في (التهذيب) عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال: «جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي ﷺ فقال: ما تقولون في رجل يأتي أهله ولا ينزل؟ فقالت الأنصار: الماء من الماء، وقال المهاجرون: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فقال عمر لعلي ﵄: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: توجبون عليه الجلد ولا توجبون عليه صاعا من الماء؟» (١) فقاس - رضي الله تعالى عنه - ههنا الغسل على الحد بالصراحة. وأجاب بعض علماء الشيعة عن هذا القياس بأن ما قال الأمير ليس بقياس، بل هو استدلال بالأولوية، يقابله في عرف الحنفية (دلالة النص) كدلالة ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ على حرمة الشتم والضرب، وهما سواء في مهمة المجتهد وغيره، وحاصل هذا التقرير أن تأثير المجامعة بلا إنزال لما ثبت في أقوى المشقتين وهو الحد كان ثبوته في أضعفهما وهو الغسل بالطريق الأولى.
وفيه خبط ظاهر لأن المساحقة موجبة للتعزير عند أهل السنة وللحد عند الإمامية، ولا توجب الغسل بالإجماع، وكذا اللواطة إن كانت بطريق الإيلاج فهي موجبة للحد عند بعض أهل السنة والإمامية وموجبة للتعزير عند غيرهم، ولا غسل على مرتكبها عند الإمامية، (٢) وكذا المباشرة الفاحشة مع الأجنبية توجب التعزير ولا توجب الغسل بالاتفاق، فلم يثبت تأثير هذه الأمور في الغسل بدلالة النص أصلا فضلا عن الطريق الأولى كما ترى.
وشارح (مبادئ الأصول) (٣) مع تشيعه وفرط عناده لأنه ابن المطهر الحلي (٤) اعترف بان القياس كان جاريا في زمن الصحابة، وسيجيء إن شاء الله تعالى ذكر إجازة الأئمة كالباقر والصادق وزيد الشهيد أبا حنيفة بالقياس، وأما دلائل تجويز القياس وإبطال قول منكريه فمذكورة في كتب أصول أهل السنة فارجع إليها إن أردت. (٥)
الثالثة
ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن مذهب الاثني عشرية حق لأنهم أقل من أهل السنة وأذل منهم قال تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ و﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ﴾. (٦)
_________
(١) الطوسي، تهذيب الأحكام: ١/ ١١٩؛ النوري، مستدرك الوسائل: ١/ ٤٥١.
(٢) روى الكليني وغيره عن الصادق أنه قال: «إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما، فإن أنزل فعليه الغسل ولا غسل عليها». الكافي: ٣/ ٤٧؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ١/ ١٢٥.
(٣) ألفه علي بن الحسين بن علي الإمامي من تلاميذ الحلي، شارحا كتاب (مبادئ الأصول) لشيخه، وفرغ منه سنة ٧٠٦هـ. الذريعة: ٧/ ٢١٣
(٤) الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي، من أشهر علماء الإمامية. ألف كتاب (منهاج الكرامة) فرد عليه ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية)، مات سنة ٧٢٦هـ. الدرر الكامنة: ٢/ ٧١؛ لسان الميزان: ٢/ ٣١٧؛ رجال المامقاني: ١/ ٣١٤.
(٥) بل من علماء الإمامية من كان يقيس. حيث ذكر النجاشي في ترجمة ابن الجنيد، وهو من أشهر مؤلفيهم، بأنه كان يقول بالقياس، فقال المامقاني: «رميه بالقياس ليس قادحا في عدالته ...» فكيف يعاب على أهل السنة القياس ولا يعاب على أصحابهم؟ رجال النجاشي: ٢/ ٣١٠؛ تنقيح المقال: ٢/ ٦٧.
(٦) قال ابن رستم الطبري: «فإنا وجدنا الكثرة في موارد من كتاب الله تعالى هي المذمومة والقلة هي المحمودة ...»، ثم قال: «أفلا ترى أن القلة حمدت وإنما قلوا وما كانت يد الله على جماعة أهل الباطل قط، فإن زعمتم أن يد الله على من قال بقولكم فهذه شنيعة أخرى تزعمون أن يد الله على من نسب الحكم إلى غيره ...». الإيضاح: ص ١٢٥.
1 / 29