تغسل غسلا». (١)
وروى محمد بن نعمان (٢) عن أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله ﵇: «إذا نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك حتى تغسل رجليك، فامسح رأسك ثم اغسل رجليك»، (٤) وهذا الحديث أيضا رواه الكليني وأبو جعفر الطوسي بأسانيد صحيحة، ولا يمكن حملها على التقية، إذ المخاطب شيعي خاص.
وروى محمد بن الحسن الصفار (٥) عن زيد بن علي عن أبيه عن جده أمير المؤمنين قال: «جلست أتوضأ فأقبل رسول الله ﷺ فلما غسلت قدمي قال: يا علي خلل بين الأصابع» (٦) إلى غير ذلك من الأخبار الثابتة في كتبهم الصحيحة. (٧)
وأما ما روي عن عباد بن تميم عن عمه بروايات ضعيفة أنه توضأ ومسح على قدميه فهو شاذ منكر لتفرده ومخالفته للجمهور. (٨) وما روي عن أمير المؤمنين أنه مسح وجهه بيديه ومسح على رأسه ورجليه وشرب فضل طهوره قائما وقال، وقال: «إن الناس تزعم أن الشرب قائما لا يجوز وقد رأيت رسول الله ﷺ صنع ما صنعت فهذا وضوء من لم يُحْدِث»، (٩) فلا يجدي للشيعة نفعا ولا يكون لهم به تمسك، لأن الكلام في الوضوء من الحدث لا في مجرد التنظيف بمسح الأطراف.
وبعض الشيعة ادعوا أن المسح مذهب لجمع من الصحابة مثل عبد الله بن عباس وأبي ذر وأنس بن مالك، وهذا كذب مفترى عليهم، فإنه لم يروِ عن أحد منهم بطريق صحيح أنه جوّز المسح إلا عن ابن عباس فإنه قال: «لم نجد في كتاب الله إلا المسح ولكنهم أبوا إلا الغسل»، (١٠) يعني ظاهر الكتاب يوجب المسح على قراءة الجر التي كانت قراءته، ولكن الرسول ﷺ وأصحابه لم يعملوا إلا الغسل، فقوله هذا دليل صريح على أن قراءة الجر مؤولة متروكة الظاهر بعمل رسول الله ﷺ والصحابة - رضي الله تعالى عنهم -، وهكذا كل ما يروونه في هذه المسألة عن أحد أئمة السنة فهو إفك وزور، فقد تبين أن هذا الكيد صار في نحرهم ودل بمخالفتهم النصوص القولية على كفرهم، ﴿وَكَفَى اللهُ المؤْمِنِيَن الْقِتَالَ﴾، والحمد لله على كل حال، سوى الكفر والضلال.
الثانية
ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن أهل السنة يشرعون أحكاما من عند أنفسهم، كما جعلوا القياس دليلا شرعيا ويثبتون كثيرا من الأحكام به،
والجواب أن هذا الطعن يعود حينئذ على أهل البيت، فإن الزيدية وأهل السنة يرون القياس عن الأئمة، وقد قال
_________
(١) عن علي بن أبي حمزة قال: «سألت أبا إبراهيم ﵇ عن قول الله ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة﴾ إلى قوله تعالى: ﴿إلى الكعبين﴾ فقال: صدق الله، قلت جعلت فداك كيف يتوضأ؟ قال مرتين مرتين، قلت: يمسح؟ قال مرة مرة، قلت: من الماء مرة؟ قال: نعم قلت: جعلت فداك فالقدمين؟ قال: اغسلهما غسلا». تفسير العياشي: ١/ ٣٠١.
(٢) المشهور بالشيخ المفيد ويعرف بابن المعلم، عاش في بغداد وكان عالم الإمامية في عصره، قال الخطيب البغدادي: «شيخ الرافضة والمتعلم على مذاهبهم صنف كتبا كثيرة في ضلالاتهم والذب عن اعتقاداتهم ومقالاتهم والطعن على السلف الماضين من الصحابة والتابعين وعامة الفقهاء المجتهدين وكان أحد الأئمة الضلال هلك به خلق من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه»، وقال الذهبي عن كتبه: «طعن فيها على السلف». أما النجاشي فقال: «شيخنا وأستاذنا فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والرواية والثقة والعلم». مات سنة ٤١٣ هـ. رجال النجاشي: ٢/ ٣٢٧؛ تاريخ بغداد: ٣/ ٢٣١؛ ميزان الاعتدال: ٤/ ٣٠.
(٣) قال عنه النجاشي: «ثقة وجيه، روى عن أبي محمد وأبي الله ﵉»، وهو من مشاهير رواة الإمامية. رجال النجاشي: ٢/ ٤١١؛ تنقيح المقال: ٣/ ٣٠٨.
(٤) الكليني، الكافي: ٣/ ٣٥؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ١/ ٩٩؛ الاستبصار: ١/ ٧٤.
(٥) قال النجاشي: «كان وجها في أصحابنا القميين ثقة عظيم القدر راجحا قليل السقط في الرواية» مات سنة ٢٩٠هـ. رجال النجاشي: ٢/ ٢٥٢؛ مجمع الرجال: ٦/ ١٨٩.
(٦) لطوسي، تهذيب الأحكام: ١/ ٩٣؛ الاستبصار: ١/ ٦٥؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ١/ ٤٢١.
(٧) وعلق الطوسي على الخبر بقوله: «فهذا الخبر موافق للعامة قد ورد مورد التقية ...». وهذا من مغالطاته لأن التقية لا تجوز على النبي ﷺ عندهم.
(٨) قال ابن الجوزي بعد سرد روايات المسح: «ليس في هذه الأحاديث ما يصح» ثم أشار إلى الرواية عن عباد بن تميم فقال: «في إسناده ابن لهيعة وليس بشيء». العلل المتناهية: ١/ ٣٤٩.
(٩) أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما.
(١٠) ابن أبي شيبة، المصنف: ١/ ٢٧؛ ابن ماجة، السنن: ١/ ١٥٦.
1 / 28