مرقاه، وأن يخرج من القوة إلى الفعل كل ما تحتمله قواه. فإن قلت: إني فهمت الآن شدة الحاجة إلى هذا الكتاب بما أوضحته من التحقيق، ثم اشتدت رغبتي بما أوردته من التشويق، واتضح لي غايته وثمرته فأوضح لي مضمونه.
فاعلم أن مضمونه تعليم كيفية الإنتقال من الصور الحاصلة في ذهنك إلى الأمور الغائبة عنك. فإن هذا الإنتقال له هيئة وترتيب إذا روعيت أفضت إلى المطلوب، وإن أهملت قصرت عن المطلوب، والصواب من هيئته وترتيبه شديد الشبه بما ليس بصواب. فمضمون هذا العلم على سبيل الإجمال هذا، وأما على سبيل التفصيل فهو أن المطلوب هو العلم، والعلم ينقسم إلى العلم بذوات الأشياء، كعلمك بالإنسان والشجر والسماء وغير ذلك. ويسمى هذا العلم تصورا، وغلى العلم بنسبة هذه الذوات المتصورة بعضها إلى بعض إما بالسلب أو بالإيجاب، كقولك الإنسان حيوان والإنسان ليس بحجر، فإنك تفهم الإنسان والحجر فهما تصوريا لذاتهما، ثم تحكم بأن أحدهما مسلوب عن الآخر أو ثابت له، ويسمى هذا تصديقا لأنه يتطرق إليه التصديق والتكذيب.
1 / 67