ولعلك الآن تحسب نفسك واحدا من غمار الناس فتتلو على نفسك سورة اليأس، وتزعم أني متى أكون واحد الدهر، فريد العصر، مؤيدا بنور الحق متخلصا عن نزغات الشيطان مستوليا على وصفته من شروط البرهان؛ فالركون إلى الدعة أولى بي والقناعة بالإعتقاد الموروث من الآباء أسلم لي من أن أركب متن الخطر ولست أثق بنيل قاصية الوطر، فيقال في مثالك، إن خطر هذا ببالك: ما أنت إلا كإنسان لاحظ رتبة سلطان الزمان وما ساعده من الشوكة والعدة والنجدة والثروة والأشياع والأتباع، والأمر المتبع المطاع، واستبعد أن ينال رتبته أو يقارب درجته، والأمر المتبع المطاع، واستبعد أن ينال رتبته أو يقارب درجته، ولكن اقتدر أن ينال رتبة الوزارة أو رتبة الرئاسة أو منزلة أخرى دونها فقال: الصواب لي بعد العجز عن الغاية القصوى، والذروة العليا التي هي درجة سلطان الدنيا أن أقنع بصناعة الكنس التي هي صناعة آبائي، فالكناس ليس يعجز عن خبز يتناوله وثوب يستره إقتداء بقول الشاعر:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
وهذا الخسيس القاصر النظر، لو أنعم الفكر وتأمل واعتبر علم أن بين درجة الكناس والسلطان منازل فلا كل من يعجز عن الدرجات العلي ينبغي أن يقنع بالدركات السفلى، بل إذا انتهض مترقيا عن رتبة الخساسة، فما يترقى إليه بالإضافة إلى ما يترقى عنه رياسة - فهكذا ينبغي أن تعتقد درجات السعادة بين العلماء، فما منا إلا له مقام معلوم لا يتعداه، وطور محدود لا يتخطاه، ولكن ينبغي أن يشوف إلى أقصى
1 / 66